الحسين بن علي والأرمن والدولة القومية

هي الصدف السعيدة، أن تلتقي بضيف عراقي عزيز هنا في عمان، وان تتقرّى بأصابعك رسالة «شريف مكة» عام 1917 إلى الأميرين فيصل وعبد العزيز الجربا وهما من زعامات شمّر القبيلة العربية المعروفة، يطلب منهما “المحافظة على كل من تخلّف أطرافكم وجهاتكم وبين عشائركم من الطائفة اليعقوبية الارمنية تساعدوهم على كل أمورهم وتحافظون عليهم كما تحافظون على أنفسكم وأموالكم وأبنائكم، وتسهلون كل ما يحتاجون إليه في ظعنهم واقامتهم فإنهم أهل ذمة المسلمين، والذين قال فيهم صلوات الله عليه وسلامه: :من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة…الخ”!!.

هذه الرسالة من «الديوان الهاشمي».. من الثائر الكبير في عزّ معركته مع التخلف العثماني، يشهد مذابح شعب غير عربي، وغير مسلم، فيطلب من أميرين من أمراء شمّر أن يحافظا على الطائفة اليعقوبية الارمنية بكل الجهد، حفاظهم على أبنائهم.
أما بقية الصدف السعيدة، فقد اقترحت على الضيف العراقي العزيز أن يروي هذه المأثرة العظيمة إلى مؤرخنا الكبير الصديق د. علي محافظة، فكان لنا ذلك، ذلك أنها رواية من الانصاف للقائد العربي الحسين بن علي ولأمراء وقبيلة شمّر وضعها أمام المهتمين فالحسين كان ينشئ دولة عربية تضم كل الأقوام والديانات والمذاهب، فأوحى بهذه الرسالة المحافظة على اليعقوبيين الأرمن من المذبحة، وينبه الى الموسويين – لم يسميهم اليهود – المساكنين لعرب الشام والعراق. وإلى الكرد والآشوريين والصابئة والمسيحيين: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

لم يؤمن الحسين بن علي بدولة العنصر العربي، وإنما بالتحضّر العربي الذي يضم كل من يعيش على هذه الأرض. ولم يفهم الدولة الحديثة، وهو من هو في الإسلام، على أنها دولة دينية. وكان للمرحوم الملك فيصل الأول مشروع الكونفدرالية العربية التي تضم الحجاز والهلال الخصيب في ثلاث وحدات تجمع بينها وحدة الجيش، والنقد، والسياسة الخارجية.
من المهم أن نعيد قراءة دعوة الحسين بن علي قائد نهضة العرب، ورأس العاملين للوحدة والثائر الذي عمل حتى آخر يوم في حياته على تحرر العرب واقامة الدولة المدنية. فهذه قراءة لا علاقة لها برومانسية التاريخ. وإنما لفهم ما يجري من تفتت المجتمعات العربية إلى طوائف ومذاهب وعناصر متذابحة، وتدمير كل ما انجزه العرب منذ قرن من الزمان، وتحميل الدم للأجيال القادمة!!.

كان الصديق د. محافظة يقول كلاماً مهماً ونحن نصغي لمحمد راكان الجربا وروايته لرسالة الحسين واستجابة اعمامه شيوخ شمّر: إن التطرف الديني والمذهبي الذي نشهده الآن لم يأت من العرب والمسلمين العرب، وإنما جاء من غيرهم.. وكل هذا العنف، والحقد، والدم إنما هو ابتداع أقوام غير عربية أُدْخِلت إلى الإسلام النقي العظيم!!.

أخذت صورة لرسالة الحسين بن علي. فهذه في اعتقادي سفر قومي لا بَّد من حفظه في القلوب والكتب سواء بسواء!!.

طارق مصاروة                          

الرأي

Share This