مختارات من الشعر الأرمني الحديث

أقنعة ومرايا (1)

عرض: عطا درغام

في أواخر عام 2010، صدر عن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة لوزارة الثقافة السورية كتاب (أقنعة ومرايا: مختارات من الشعر الأرمني الحديث) ترجمة الباحث والمترجم الأرمني الحلبي مهران ميناسيان.

وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب حاصل على الجائزة الأولى ضمن مسابقة سامي الدروبيللترجمة (2009). ويقع الكتاب في 224 صفحة من القطع المتوسط، ويتناول مختارات إبداعية من خمسة شعراء أرمن محدثين هم على التوالي: هامو ساهيان، زاهراد، زاريه خراخوني، هوفهانيسكريكوريان، إكنا صاري أصلان.

وقبل استعراض الخطوط العريضة لخماسي الشعراء المنتخبين لابد من تقديم نبذة عن مترجم هذا العمل الرائع، وهو كما سبق ذكره الباحث والمترجم مهران ميناسيان ، وهو أرمني الأصل حلبي المولد سوري الجنسية.كتب عدة دراسات علمية في مجالات متعددة نذكر منها: تحقيق المخطوطات، تاريخ الطباعة والصحافة، تاريخ حلب، العلاقات التاريخية والثقافية العربية الأرمنية….إلخ.ترجم مهران عدة أعمال من الأرمنية إلي العربية من قبيل )ليحل النور وقصائد أخرى) للشاعرباروير سيفاك (دمشق 1995)، (حبة الرمان- مائة قصيدة حب أرمنية) للشاعر ناهبيدكوجاك (دمشق 1999).

واشترك ميناسيان مع المطران بطرس مراياتي في تحقيق وتقديم كتاب (ثورة الحلبيين على الوالي خورشيد باشا العثماني 1849- 1820) (حلب 200)، ولم تقف إسهامات ميناسيان عند هذا الحد، بل يترجم أعمال المبدعين العرب إلى اللغة الأرمنية سواء كانت قصصا قصيرة أو روايات أو حتي شعرا. ومن هذا النمط نذكر كتاب (شقائق نعمان البادية)، وهي مجموعة قصصية من أعمال الأديب إبراهيم الخليل (بيروت 2002).

وبعد هذه النبذة المختصرة عن المترجم، ننتقل إلى قراءة سريعة لمحتويات الكتاب.

هاموساهيان (1914 – 1993): شاعر الطبيعة

اسمه الحقيقي هيماياككريكوريان. ولد في قرية لور جنوبي أرمينية. حصل على شهادة علم التربية. شارك في الحرب العالمية الثانية (1939 -1945). عمل لسنوات طويلة في تحرير الصحف والمجلات حتى صار رئيسا لتحرير “الجريدة الأدبية” الناطقة باسم اتحاد الكتاب في أرمينية. ومن أبرز أعماله الإبداعية التي صدرت في العاصمة الأرمنية يريفان: ” علي حافة نهر فورودان”( 1946)، و”قبل الغروب”( 1964)، “أغنية الصخور الجبلية” (1968)، “سنواتي” (1972)، “افتح ياسمسم” (1972) . وقد ترجمت أعماله إلي عدة لغات من بينها اللغة العربية وحصل على جوائز أدبية، وله ترجمات من الروسية إلي الأرمنية.

وترتبط أعمال ساهيان الشعرية بطبيعة أرمينية الخلابة وبمسقط رأسه، ولذا ، كتب كثيرا عن الجبال والوديان والأحجار والأنهار والأشجار والحيوانات والطيور. وعند قراءة هذا الشاعر يحس المرء بأنه يعيش في قلب الطبيعة وأنه جزء منها..وفيما يلي نعرض قصيدة (حبذا لو وجدت حجرا) من تجليات الشاعر الرقيق:

حبذا لو وجدت حجرا من أحجار بيتنا

لأجلس عليه

وأروي قصة حياتي

قصة حياة مرت بلا بيت

***

أروي له كم عانيت الأمرين

في هذا العالم

وكم من الأحجار تفتت

تحت رأسي

         ***

حبذا لو أسمع حكمتها

للمرة الأخيرة

أسمعها وأموت عليها

هي التي تفوح منها رائحة أسلافي

ومن تجليات ساهيان الشعرية ، هذا الكلمات الموجزة النافذة:

أنا ضميركم ، لا تخدعوني

أنا أجنحتكم ، لا تقيدوني

أنا شرايينكمن لا تقطعوني

أنا دمكم، لا تهدروني

…………………………………………………………………………………

زهراد (1924- 2007): الشاعر الإنساني

اسمه الحقيقي زاريه يالدزجيان . ولد في إسطنبول. ورغم انه التحق لمدة ثلاثة سنوات بكلية الطب، فإنه لم يكمل دراسته واشتغل في الأعمال التجارية الحرة. وقد صدرت دواوينه الشعرية في إسطنبول من قبيل (المدينة الكبيرة) (1960) و(السماء الطيبة) (1971) و(ربيعان بحجرة واحدة)(1989) وفي يريفان مثل (صليب حجري بلا صليب ولا حجر)) ( 1998)، وبجانب إسطنبول ويريفان، أصدر (الأرض الخضراء) في باريس عام 1976. وجدير بالتسجيل أن أعمال هذا الشاعر قد ترجمت إلى 27 لغة.

ويتميز عالم زهراد الشعري بقصر القصائد، ولكنه يستطيع في مساحة صغيرة أن يفتح ويرتاد عالما رحبا من الروح الإنسانية. هذا وقد صور حياة الفقراء والبسطاء حتى أن بطله (كيكو) صار رمزاً للرجل البائس والمعذب. وجدير بالملاحظة أن زهراد قد كتب في موضوعات متنوعة لم يتطرق إليها أحد من قبله من قبيل قصائده عن (البرغوث) و(المراة التي تنظف العدس) و(بائع الحنفيات).وفيما يلي بعضا من إبداعات زهراد، ففي قصيدته (صفر) يقول:

واحد ضرب واحد يساوي واحدا

واحد ضرب كيكو يساوي صفرا

           ***

اثنان ضرب واحد يساوي اثنين

اثنان ضرب كيكو يساوي صفرا

         ***

عشرة ضرب واحد يساوي عشرة

عشرة ضرب كيكو يساوي صفرا

       ***

مائة ضرب واحد يساوي مائة

مائة ضرب كيكو يساوي نحن

وفي رائعته (حساب البعوض)، يقول زهراد :

حينما تزوج كيكو

فكر أن البعوض المتواجد في غرفته

إن جاء نصفه إليه

فالنصف الآخر سيذهب إلي زوجته

فينصف عددهم

***

لكن البعوض تكاثر- الفصل كان خريفا

والآن…..عدد البعوض هو هو

وفوق كل ذلك ثمة زوجة هناك.

“آريك” العدد رقم 15

آب 2011

Share This