مطالبة الاتراك والاكراد بالاعتذار للسريان عن مذابح 1831 – 1937

معالجة أخطاء الماضي ركيزة لضمان المستقبل

تعرض الآشوريون الكلدان السريان الى إبادة عرقية ومذابح فظيعة ومروعة من قبل الاتراك بالتعاون مع الكثير من العشائر الكردية، اثر اعلان الدولة العثمانية قرارها باقتلاع الأرمن من أراضيهم التاريخية في 24 نيسان 1914. صحيح أن حملات الابادة، التي وصلت ذروتها في صيف عام 1915، حملت اسم الأرمن كعنوان عريض وبارز، الا ان حقيقة الامر لم تكن كذلك البتة. فمن الناحية العملية، وعلى ارض الواقع، كانت الدعوة واضحة الى ابادة كل المسيحيين في تركيا بدون التفريق او التمييز ما بين سرياني “كلدوآشوري” أو يوناني او أرمني. وقبل هذه الحملات الدموية، تغاضى العثمانيون عن حملات التطهير العرقي التي الحقها الزعيمين الكرديين المعروفين محمد الرواندوزي وهو  امير امارة سوران (1831- 1836)، وبدرخان بك امير بوتان (1843 1846) بـقرى السريان الآشوريين بمناطق هكاري وطورعبدين وزاخو ونوهدرا وسهل نينوى واربيل وغيرها. وكان من أهم نتائج حملات التطهير العرقي التي ارتكبها العثمانيون والاكراد على مر قرن كامل من الزمان، تغيير الخارطة الاثنية واللغوية والدينية لعموم اعالي الرافدين (شمالي العراق وجنوب شرقي تركيا) لصالح الاكراد. ولعل المفارقة هنا هي أن أغلبية المناطق والاراضي التاريخية السريانية أو الأرمنية قد تكردت ولم تتحول الى مناطق ذات اغلبية تركية…!؟ فحينما وقع ضحية شعارات “الجهاد” والتطرف الديني والقومي، مليون أرمني ونصف مليون شهيد سرياني كلدوآشوري، لم يتجاوز عدد الاكراد في تلك الغضون حسب أغلبية المؤرخين والمستشرقين سوى (2.5مليون نسمة على ابعد تقدير في كل بلاد فارس واراضي الامبراطوريتين العثمانية والروسية!؟ فالمستفيد الأول والاخير من عملية ازاحة السريان والأرمن عن مناطقهم التاريخية كان الاكراد. هذه الحقيقة التي تدعمها معطيات الواقع الجغرافي والسكاني الحالي لأعالي ما بين النهرين، كانت حقيقة غائبة أو تم تجاهلها من قبل صانعي القرار في الباب العالي سابقاً وكذلك في بغداد ودمشق لاحقا!

مسؤولية تركية أم كردية!

تثير مسألة الابادة العرقية التي تعرض لها السريان في مطلع القرن الفائت، جدالا واسعاً ما بين السريان أنفسهم من جهة، والاكراد والاتراك من جهة أخرى حينما يتعلق الامر بتحديد الطرف المسؤول عن تلك الحملات الدموية. فكلا الطرفين (التركي والكردي)، يرميان المسؤولية على الطرف الآخر. وهنا لا بد من توضيح نقطتين أساسيتين في هذه القضية الحساسة، علما أن المسؤولية القانونية تتحملها الدولة العثمانية التي كان عليها واجب ومسؤولية حماية مواطنيها “رعايها” من اعتداءات الاكراد وليس زيادة الطغائن وصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة ؟

أولاً: الدور التركي:

اراد الاتراك عن طريق الفرق الحميدية الدموية التي شكلها السلطان عبد الحميد (1842 – 1918)، القضاء نهائياً على غير الاتراك، وخاصة المسيحيون منهم (السكان الاصليون)، بهدف تحقيق حلم سلاطنة آل عثمان (تركيا الكبرى)، وخلق (تركيا الجديدة) خالية من الأقوام “الغريبة”، والأهم من كل هذا ضمان ديمومة السيطرة على منابع النهرين العظيمين دجلة والفرات، مما فسح المجال للاتراك، بعد مرور عقود طويلة، باستخدام ورقة المياه الرابحة ضد سوريا والعراق كلما تطلبت الحاجة!؟

وفي تلك الغضون تحالف ابناء الرافدين (السريان) – اثر اندلاع شرارة الحرب العالمية الاولى عام 1914 مع قوات التحالف ضد العثمانيين، على أمل تحرير الارض السورية من نير العثمانيين. فكان الرد التركي على مطالب السريان السوريين بالتحرر والانعتاق هو اقتلاعهم نهائيا من اراضيهم التاريخية، وأصبح الاكراد المتحالفين مع العثمانيين أفضل اداة قاتلة بيد الباب العالي، ولو لا المساهمة الكردية في مذابح السريان لما استطاع الاتراك تطهير المنطقة من السريان!؟! وبعد ان انتصر العثمانيون في حروبهم على الشعوب المسيحية المحلية الضعيفة، تحولت المناطق والقصبات التي تكردت (منطقة الجزيرة)، من جراء المذابح، الى محور رئيسي للنزاع الذي ما زال قائما ما بين الاتراك المنتصرين على السريان والأرمن، والاكراد الطامعين في نزع هذه المناطق من الاتراك لضمها الى مشروع (كردستان الكبرى)!؟

ثانيا: الدور الكردي:

عندما نتحدث عن المذابح التي اقترفها الاكراد بحق السريان في اعلي ما بين النهرين، فإننا نتحدث في واقع الامر عن مذابح بدأت مع حملات التصفية العرقية التي ارتكبها محمد الرواندوزي امير سوران في عام 1831 حتى مذبحة عامودا في الجزيرة السورية التي جرت عام 1937. فخلال اكثر من مائة عام لم تتوقف المظالم والمذابح وحملات الابادة التي الحقها الاكراد بالسريان المسيحيين! والجدير ذكره، انه عندما قاما محمد الرواندوزي وبدرخان بك باقتلاع الاف السريان الآشوريين لم يكونا خاضعين للاتراك، بل كانا قد اعلانا استقلالهما، أي بمعنى اخر، كان لهما حرية القرار واستقلاله، ومن هنا نحملهما مسؤولية ذبح الاف السريان وبالتالي تكريد القرى والبلدات العراقية والسورية!

أما بخصوص اشتراك الاكراد بمذابح (1914 1919) الى جانب العثمانيين ضد السريان، كان بهدف الى التخلص من السريان واقتلاعهم من مناطق هكاري وطورعبيدن والعمادية وسهل نينوى وضواحي اربيل وقرى السريان في الجزيرة السورية، لأن أجزاء من الاراضي السريانية كانت تحول دون التحاق والتحام مناطق الاكراد مع بعضها البعض. فمثلا شكل الآشوريون السريان في جبال هكاري سوراً منيعاً وحصيناً وعقبة في طريق عملية التواصل الجغرافي والسكاني ما بين اكراد اذربيجان (مناطق اورميا وسلامس واورامر) مع المناطق التي تحولت الى كردية في جنوب شرقي تركيا. وشكلت جبال طورعبدين، التي ضمت قبل حملات التطهير العرقي اكثر من250 الف سرياني، بقعة سريانية متراصة منعت الانتشار الكردي باتجاه الغرب نحو نهر الفرات. وكان للاكراد الى جانب الحكومة التركية دورا واضحا في طرد السريان من هذه الجبال التي أصبحت ذات اغلبية كردية بعد مذابح 1914 1919. وينطبق هذا الكلام على الجيوب السريانية في سهل نينوى وضواحي اربيل والقرى السريانية في الشريط الممتد من منطقة نوهدرا (دهوك) في اقصى شمال غربي العراق ونزولا الى اطراف مدينة الموصل.

وفي خضم القلاقل والفوضى التي انتشرت عقب اندلاع الحرب الكونية الاولى، استثمرت واستغلت تركيا مشاعر الاكراد الدينية، وحرضتهم على الحرب المقدسة ضد (الكفرة: السريان والأرمن). ونفذت بعض الفصائل والعشائر الكردية بامانة وطيبة خاطر مخطط العثمانيين الذي تضمن التخلص نهائيا من السوريين السريان. ولم يتضامن اكراد تركيا مع العثمانيين فحسب، بل استجاب كذلك اكراد ايران والعراق لنداء الباب العالي وهو دعوة صريحة للقضاء ليس على مسيحيي تركيا فقط بل واقتلاع السريان الآشوريين من شمالي العراق الحالي وبلاد فارس.

فقامت الكثير من العشائر الكردية باقتلاع السريان الكلدواشوريين في قصبات برور وزاخو والعمادية وغيرها من المناطق العراقية. وعلى سبيل المثال، يذكر الاب جوزيف نعيمة، في كتابه (ايجب ان تموت هذه الامة، طبع عام 1920)، وهو من عاين بام عينيه اثار المذابح ووثق شهادات الكثير من الضحايا، ذكر ان اكراد العراق قد اشتركوا بحملات التطهير العرقي ضد مسيحيي العراق (الكلدان) ويقول: (خلال فترة احتلال جيوش الحلفاء في شهري حزيران وتموز من عام 1919، تعرضت مقاطعتين كلدانيتين وهما العمادية وزاخو القريبتين من الموصل واللتين كانتا آمنتين نتيجة الجهود المضنية لبطريرك بابل الى هجوم القبائل الكردية التي قتلت الرجال وسلبت الممتلكات وعبثت بكل شيء ثم اختطفت النساء والفتيات…). أما عن اشتراك اكراد ايران في حملات اقتلاع المسيحيين تلبية للنداء العثماني، فقد لخصها الباحث الروسي باسيلي نيكيتين في كتابه (الكرد، ص 340 341) فيقول: (وخلال الحرب العالمية الأولى رفعت جميع العشائر القاطنة جنوبي بحيرة اورمية، رغم ما أقره البرلمان الايراني بشأن الحياد وعدم التدخل الى جانب أي من طرفي النزاع، راية الجهاد المقدس بتحريض المشايخ وأحيانا خلافا لرغبة رؤساء العشائر أنفسهم. … لم تكن استجابة الكرد، رغم أنهم ليسوا مسلمين متعصبين، لنداء الجهاد الى الحرب المقدسة المعلن من قبل القسطنطينية، أقل من استجابة الترك… فالكرد حتى في ايران، تبنوا القضية التركية وشكلوا وحدات المتطوعين الأساس تحت راية الجهاد المقدس، لأنهم كانوا يرون فيه، قبل كل شيء، مناسبة سانحة لإظهار قابليتهم الحربية، على حساب المسيحيين. ليست مهمتنا هنا نقد الجهاد المقدس الذي تسنت لنا الفرصة المؤلمة لرؤيته من موقع مسؤوليتنا في القنصلية الروسية في أورمية). ويضيف الباحث نيكتين في موضع اخر (إن تعطش الرحل[1] الكرد للدم يفوق تعطش غيرهم من الرحل كما تثبت ذلك المذابح المتكررة للمسيحيين التي يتحدث عنها بعض الرحالة).

مواقف كردية مشرفة !

من أجل سحب البساط من تحت اقدام البعض من المغالين الاكراد الذي يبدو أنهم مستعدون للهجوم على كل من ينتقدهم نقول، اننا عندما نتحدث عن حملات التصفية العرقية التي الحقها الاتراك بابناء الرافدين من السريان الكلدان الآشوريين، والدور الكردي فيها، فإننا لا نتهم كل الاكراد، ولا كل الاتراك. ونحن ممن يقولون ان هناك الكثير من الامثلة والوقائع التي تشهد أن جموعا غفيرة من الاكراد والاتراك لم تشترك في تلك الحفلات الدموية. ويذكر نيكيتين في كتابه[2] (الكرد) عن شخصية كردية (الملا سعيد) وقفت ضد حرب الجهاد المقدسة، لكن هذه الاصوات الخيرة وللاسف الشديد، لم يكن لها المقدرة على وقف المذابح او الحد من الحملات التكريدية! يقول نيكيتن عن الملا سعيد: (كان الملا سعيد واحداً من بين الكثيرين من الكرد المثقفين، وقف دون خوف او وجل ضد صيحات الجهاد المقدس. وقد أوقف بسبب من مواقفه تلك من قبل السلطات التركية وقدم للمحاكمة لأنه أفتى بعدم شرعية نعت تلك الحرب بالجهاد المقدس. وقد قال في معرض دفاعه عن نفسه أمام المحكمة: “إنني لست مسؤولا بموجب أحكام الشريعة ولا بموجب القوانين الوضعية لأنني لم أجد في شريعتنا ما يأمر بقتل أناس أبرياء لا يؤذون أحداً. .. فإني أعتقد أن تقوى شيخ الإسلام وعلمه وكذلك عدالة الخليفة ورحمته واسعة، وهي أوسع من أن تسمح بإصدار فتوى تأمر بقتل الفقراء من الرعايا (المسيحيين النسطوريين) ونهب أموالهم، والذين لم يرفعوا منذ بداية الإسلام وحتى الان السلاح بوجه المسلمين، ولم يعلنوا حرباً ضدهم”).

السريان بعد قيام الجمهورية التركية!

لم تنتهي معاناة السريان (الكلدوآشوريون) في جنوب شرقي تركيا (جبال هكاري وطورعبدين ونصيبين وامد وماردين والرها…) بعد توقف حملات التطهير العرقي ضدهم خلال أعوام 1914-1919 ولم ينعم السريان بالسلام والطمأنينة حتى بعد تحول تركيا في اذار 1924 الى دولة علمانية في عهد كمال اتاتورك، وظهور احزاب كردية معاصرة عوضاً عن الآغاوات والاقطاعيين الاكراد ؟ فتركيا لم تعترف بحملات التطهير العرقي التي اقتلعت الاف السريان من مناطقهم التاريخية، ولم تقر دستوريا بوجودهم التاريخي في أعالي ما بين النهرين. وعوضا عن ذلك قامت بتتريك أسماء أغلبية المناطق السريانية في جنوب شرقي تركيا لمحو اثار أبناء الرافدين، ومنعت تركيا تدريس لغة سوريا القديمة (السريانية) او التحدث بها، كما قامت بتشكيل ميليشيات تتكون من الاكراد سميت بـ(حراس القرى)، على غرار الفرق الحميدية التي شكلها السلطان عبد الحميد عام 1890 م لضرب السريان والأرمن. وكان هدف تركيا واضحا من وراء تشكيل ميليشيات كردية (حراس القرى)، وهو ضرب الاكراد ببعضهم البعض من جهة، وطرد ما تبقى من السريان من جنوب شرقي تركيا من جهة أخرى.

أما عندما طفى حزب العمال الكردستاني على السطح بشدة منذ أن اعلن الكفاح المسلح بوجه الحكومة التركية عام 1984، مارس هذا الحزب التحرري شتى صنوف الضغط على القرى السريانية (وكذلك الكردية) لتقدم لأعضائه ومناصريه المال والمأوى والمأكل والملبس! وعندما كان يستجيب السريان لهذه المطالب خوفا من القتل والانتقام، كانت تأتي دبابات وقطعات الاتراك العسكرية لهدم القرى السريانية واتلاف أراضيها ومحاصيلها الزراعية كعقوبة لتقديمها الدعم للمتمردين الاكراد، كما حدث في التسعينات من القرن الماضي في قرى حسانا وميدون وديرو دو صليبو  وقرية دير قوبا وغيرها. والعكس صحيح، مثلما حدث في قرية بنيبيل السريانية عندما اغتال حزب العمال الكردستاني عام 1990 أربعة من خيرة رجالات القرية، بذريعة تعاونهم مع الحكومة التركية، بينما الحقيقة كانت أن هؤلاء قد وقفوا بعزم ضد الهجرة السريانية المدمرة من طورعبدين، فكانت الغاية من قتلهم هي ترويع وتخويف أهالي القرية واجبارهم على انتقاء خيار الهجرة حلاً لخلاصهم. والانكى من هذا وذاك، ان حزب الله “الكردي” قام بدوره بتصفيات جسدية مرعبة استهدف النخب السريانية المثقفة، وأناس واطفال ابرياء بحجج دينية واهية لا تمت الى الدين الاسلامي بصلة. كل هذه الخروقات والمضايقات ادت الى طرد اكثر من 150 الف سرياني من جبال طورعبدين منذ اندلاع ثورة حزب العمال الكردستاني ضد الحكومة التركية، هذا عدا الهجرة الجماعية للسريان من مدينة الرها (اورفا) التي حدثت عام 1924 بسبب الظلم التركي والكردي، وبنى هؤلاء المهجرين في حلب الى جانب أبناء جلدتهم السريان المسيحيين والمسلمين، حيا خاصا بالرهاويين سمي بأسمهم حتى يومنا هذا (حي السريان). وحمل المهاجرون السريان من تركيا مع حقائبهم المليئة بالوجع والمرارة وذكريات  الوطن الاليمة ملف حملات التطهير العرقي الى مجالس البرلمانات الاوربية في السويد والمانيا وهولندا، ومؤخراً صوت البرلمان السويسري على مقترح يتضمن الاعتراف بحملات التطهير العرقي التي ارتكبتها تركيا بالتعاون مع العشائر الكردية ضد السريان، فلم يقر المقترح بفارق صوتين لا أكثر، وكلنا امل ان تعاد المحاولة مرة أخرى، لحث جميع دول المعمورة للاعتراف بحملات التطهير العرقي التي تستهدف الانسان البريء أي كان لونه او لغته او دينه. وتعمل اليوم  المنظمات والاحزاب السريانية (الكلدوآشورية) في اوروبا، وبشكل ملحوظ ونشط، على اعاقة دخول تركيا في الاتحاد الاوربي، لحين اعترافها بحملات التطهير العرفي الفظيعة التي ارتكبتها بحق السوريين والعراقيين (السريان)، وايضا التأكيد على ضرورة احترام تركيا لحقوق الانسان والاقرار وبالتعددية القومية والدينية للمجتمع التركي بشكلي عملي ملموس!

تقديم الاعتذار للسريان !

وما يطالب به اليوم الشعب السرياني (الكلدوآشوري) بعد سرد كل هذه المآسي هو ضرورة قيام الاتراك وكذلك الاكراد بتقديم الاعتذار الرسمي لأبناء الشعب السرياني، وتعويضه عن جميع الخسائر التي الحقت به، وعندما نذكر الاكراد مع الاتراك، نقصد وندين اليد الاثمة الكردية التي تعاونت مع الاتراك لطرد واقتلاع السريان من اراضيهم التاريخية التي أستولى عليها الاكراد وليس العرب او الاتراك!؟ والأهم من كل هذا، يأمل السريان بكل فصائلهم وتسمياتهم، ان يتوقف الطرفين (التركي والكردي) عن حملات تشويه التاريخ وتزويره بهدف شرعنة استحواذهم على منطقة اعالي الرافدين (الجزيرة). كما وتقع على الطرفين مسؤولية تثقيف المواطن البسيط (التركي والكردي) لكي ينبذ العنف والقتل والظلم الموجه ضد مسيحيي المنطقة من خلال تخصيص برامج تلفزيونية واذاعية تتمحور حول رفض العنف بكافة اشكالة بغض النظر ان كان موجهاً ضد الذات او ضد الاخر المغاير. هذه الاجراءات والمبادرات لهي ضرورة ملحة من أجل ضمان عدم تكرار أحداث الماضي الموجعة، لأجل تطمين مسيحيي المنطقة وبالتالي ايقاف نزيف هجرتهم الدائم نحو الخارج، ليس جريا وراء اللهو وطيبة الحياة كما يذهب اليه بعض المغالين، بل أنهم يهربون من الذبح والظلم واللامساواة.

وما يجدر ذكره، ان ظاهرة الاعتذار تعد ظاهرة حضارية ولا تعيب بشيء، فمثلاُ، قام الامريكان بالاعتذار للهنود الحمر السكان الاصليين للقارة الامريكية، وقامت هوليود بانتاج مئات الافلام الوثائقية التي تتضمن تفاصيل حملات التطهير العرقي التي الحقها الامريكان الجدد بالهنود الحمر. ويقوم الاستراليين في شهر ايار من كل عام، في ذكرى قتل الالاف من اطفال ونساء ورجال السكان الاصليين لاستراليا (الابورجيين) على ايدي الاستراليين الجدد القادمين من اوروبا، ذرف الدموع خلال تظاهرات شعبية يشارك فيها الالاف تعبيرا عن أسف وندم الاستراليين الوافدين لما اقترفت ايادي أجدادهم من جرائم بحق الابرياء من أبناء المنطقة المحليين اثر قدومهم للقارة الاسترالية، اذ أصبحت الارض تجمع الطرفين ولا مجال سوى للمصالحة والعيش المشترك وبالتالي بناء طريق المستقبل بما يخدم قضايا الانسان بعيدا عن الغلو والتطرف والعنصرية المقيتة التي لا تخدم أحداً. ان قيام الاتراك والاكراد بتقديم الاعتذار على غرار الامريكيين والاستراليين سوف تؤدي هذه الخطوة الانسانية الى طي صفحات  الوجع والمذابح الماضية  التي اساءت الى سمعة الاتراك والاكراد، وبالتالي فتح صفحة جديدة للعلاقات الاخوية ما بين كل ابناء الوطن، لأن تحديات المستقبل وصعوباته تتطلب لم كل الجهود، لمواجهة مشاكل البطالة والبيئة والتطرف والارهاب وشحة المياه وغيرها من القضايا المهمة التي تهدد وجود الانسان أي كان، وليتسنى للجميع التركيز على متطلبات الانسان الضرورية ليمارس حقه الطبيعي في العيش تحت ضوء الشمس بكرامة وحرية. فتذكيرنا بهذه الحقائق الموجعة ليس الا بهدف الاستفادة من دروس الماضي، فمسألة إعادة تسجيل التاريخ بدون توخي الصدق في سرد الحقائق لهي جريمة كبرى ترتكب بحق البشرية وتاريخها الذي هو ملك للجميع!

شمعون دنحو –  السويد

المصادر:

[1] كتاب الكرد، تأليف باسييلى نيكيتين، ص 129، نقله من الفرنسية الى العربية الدكتور نوري طالباني، دار الساقي، لندن 2001.

[2] نفس المرجع، ص 344 – 345.

Share This