ليون زكي: أردوغان ينقلب على “كيسنجر تركيا” وصاحب “العمق الإستراتيجي”

لم يكن الخبر الذي أوردته وكالة الصحافة الفرنسية عن نية الرئيس التركيرجب طيب أردوغان”توسيع صلاحياته” ليترأس اجتماعات حكومة صديقه أحمدداوود أوغلو اعتباراً من مطلع العام المقبل مفاجئاً لمراقبي الشأن التركي،على اعتبار أن ما يعني الرئيس راهناً الاستئثار بالسلطة لتحقيق مآربه بغضالنظر عن الأزمة الدستورية والسياسية التي قد تعصف بالبلاد.

فبوادر انقلاب أردوغان على أوغلو راسم السياسة الخارجية التركية ومؤلفكتاب
“العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية” قديمةقدم تضارب الآراء والمفاهيم بين الشخصية الأولى الساعية إلى التفردبالقرار مع ما يرافقها من توسيع رقعة لمشاكل خارجياً والثانية صاحبةسياسة”تصفيرها”كأفضل خيار لتحصين الأمن القومي التركي.

أردوغان، وإن بدا أنه موافق على سياسة تبديل الأدوار بين شخصيات حزب”العدالة والتنمية”في موقعي رئاستي الحكومة والجمهورية، إلا أنه لا زاليحن إلى تمديد فترة ولايته على الحكومة والتي استمرت ١١ عاماً معالاحتفاظ بصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو ما دلت عليه “حكومة الظل”برئاسةأوغلو والتي لم يتغير فيها سوى أربعة وزراء جدد كي تتلقى الأوامر منرئيسها السابق أردوغان وتظل تحت وصايته.

توجه وأطماع رئيس الجمهورية نحو مراكز الإرث التاريخي والجغرافي للسلطنةالعثمانية بصفته خليفة للعثمانيين الجدد، بدليل فشله وسقوطه في مستنقعالأزمة السورية التي راهن على تحريك سفينتها وفق ما تشتهيه نفسه خارجسياق الحسابات الإقليمية والدولية، بخلاف توجهات رئيس الحكومة الذي يعوّلعلى توظيف ذلك الإرث في العلاقات الخارجية وصولاً إلى قبول عضوية”دولةأتاتورك”في الاتحاد الأوربي.

معظم الإصلاحات الداخلية التركية مردها إلى “استرضاء” الأوربي ضمن حزمةالخيارات المفروضة على مسؤولي ومنظري”العدالة والتنمية” وفي مقدمتهمأردوغان الذي لم يرضخ للضغوط الأوربية الرامية إلى اتخاذه سياسة عقلانيةفيما يتعلق بفتح حدوده أمام الإرهاب الدولي إلى داخل الأراضي السوريةومساعدة”داعش”في حصارها لمدينة عين العرب وتحريض فصائل المعارضةالمسلحة على التصعيد، ورفض مبادرة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان ديمستورا “تجميد القتال”في حلب مقابل تعنته في فرض منطقة عازلة لم يستطعإقناع”الناتو”بها إلى أن بق البحصة أخيراً بقوله لزعماء أوروبا “خليكمبحالكم”…!، الأمر الذي يتناقض مع مصالح الدولة التركية ومساعي أحمد داوودأوغلو بالذهاب قدماً نحو الاندماج والانتساب إلى الاتحاد الأوربي تحقيقاًلحلمه الهادف إلى دمج سياسات الغرب بالفلسفة الإسلامية.

“منطق العصابات” يتحكم بعقلية أردوغان، بحسب الصحف التركية. وتصب ردودأفعاله الأخيرة من خلال شن حملة دهم واعتقالات في صفوف عشرات الموالينوالمقربين من الداعية المعارض فتح الله غولن ومنهم إعلاميين في خانةالتضييق على الأستاذ الأكاديمي أوغلو والذي بات محاصراً أيضاً بهيئةمستشارين عينهم رئيسه بما يخدم مصالحه وسلطته ويستر “فضيحة الفساد”المتورط بها.

ويعمد أردوغان للتغطية على ظهور أوغلو إعلامياً وشعبياً بخطبه الصاخبةوتصريحاته المتوالية من المنصات التي توفرها له مناسبات حزبه وجدولأعماله ومناوراته في خلق قضايا تثير الرأي العام المحلي والإقليميوالدولي بينما سيزيد القيود على أوغلو المشروع الجديد لـ “معلمه” بتعيينناطقين متعددين تابعين لسكرتارية القصر الرئاسي عندما يترأس بنفسهاجتماعات الحكومة.

وثمة من يقول أن داوود أوغلو يتحمل المسؤولية كاملة فيما آلت إليه الأمورمع رجب طيب أردوغان، لأنه رضي أساساً عندما وضع يده بيده أن يتخلى عن لقب”كيسنجر تركيا” وليوصف بـ “متصرف” و “أمين” رغبات أردوغان اللاهث وراءالمزيد من الدكتاتورية التي ينعت بها حكام المنطقة ويعمل على إطاحةعروشهم بذريعتها. ومن غير المستبعد وفي ظل التطورات الدراماتيكية التي منالمتوقع أن تشهدها تركيا أن ينقلب أردوغان على الجميع وليحوّل نظام حكمهإلى رئاسي متناسياً أن ٤٨ بالمئة من الأتراك لم يصوتوا له لاختلافمشاربهم وتطلعاتهم معه.

*مقال نشر في جريدة “الوطن” عدد ۲۰٤٥ في ١٨/١٢/٢٠١٤

Share This