الدول الاستعمارية وقفت متفرجة عندما حدثت المذابح الأرمنية والكردية في الحرب العالمية الأولى وما زالت غير فاعلة في فلسطين

بيروت ـ «القدس العربي»: اعتبر المؤرخ الدكتور رشيد الخالدي أن ثلاثة شعوب عانت، وما زالت تعاني أكثر من غيرها، في مجال حصولها على السيادة الوطنية الكاملة نتيجة للحرب العالمية الأولى، وهي الشعب الأرمني والكردي والفلسطيني.

وكان الخالدي يلقي محاضرة في الجامعة الأمريكية في بيروت مساء الاثنين بعنوان: (الجراح غير الملتئمة بدعوة من «مجموعة مبادرة الفنون والعلوم الإنسانية» في الجامعة).
قال في مطلع محاضرته إن هذه الشعوب الثلاثة حُرمت من إنشاء دول وتعرضت لمذابح ما زالت انعكاساتها ومسلسلاتها مستمرة حتى الساعة على الرغم من أن الدول الكبرى قدمت وعوداً لقادتها في مطلع القرن الماضي بأنها ستحظى بدول حرة ومستقلة.
وأشار إلى أن هذه الدول الاستعمارية وفي طليعتها بريطانيا والمانيا وروسيا تراجعت عن وعودها ووقفت متفرجة عندما نكّلت السلطة العثمانية، ومن بعدها سلطة «الضباط الاتراك الشباب» بأرمينيا وكردستان وقتلت وهجّرت المجموعات اليهودية الصهيونية الفلسطينيين.
واعتبر الخالدي أن أسوأ ما في هذا الموقف الدولي الملتوي إزاء الأرمن والأكراد والفلسطينيين هو تلكؤ وتخاذل الدول الكبرى التي صمتت لدى حدوث المذابح ثم دعمها لتركيا وإسرائيل عندما تنكران حاليا وقوع الجرائم التي ارتكبتاها ومحاولة محو حدوثها وبالتالي المشاركة في تزوير التاريخ.

وبالنسبة للأرمن قال ادعى السوفييت أنهم يحررونهم ولكنهم تواطأوا مع الأتراك رغبة في توسيع امبراطوريتهم، فسمحوا بنشوء دولة أرمنية محدودة القدرتين الاقتصادية والسياسية وتابعة للاتحاد السوفييتي، فيما أصبح أرمن الشتاب في سائر أنحاء العالم الممثلين الفعليين لمطامح هذا الشعب. ووقف الألمان على الحياد في المناطق التي تم التنكيل فيها بالأرمن برغم الوجود العسكري لهم في المنطقة التي ارتكبت الجرائم فيها لأنهم كانوا متحالفين مع الأتراك في الحرب العالمية الأولى. أما بريطانيا فأبلغها جواسيسها بما يحدث وقامت بتقديم الوعود للأرمن بالسيادة بعد انتهاء الحرب، ولكنها تراجعت بعد انتصارها بالحرب.

وبالنسبة للأكراد، قال الخالدي إنهم نالوا وعوداً خلال الحرب من بريطانيا أيضا بالحصول على دولتهم، ولكن مصير هذه الدولة كان أسوأ من مصير الدولة الأرمنية إذ ظلوا مشتتين في العراق وسورية وتركيا وإيران وحاولت تركيا إقناعهم بأنهم جزء من الأمبراطورية التركية، كما فعل عراق صدام حسين الأمر نفسه. أما أمريكا فقد دعمتهم في الحرب العالمية الثانية ولكنها تخلت عنهم بعد مواجهتهم مع صدام حسين. والآن هم يتواجهون بشراسة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

أما قصة تخلي بريطانيا والعالم عن فلسطين فمعروفة للجميع. إلا أن الأسوأ فيها أن الأمم المتحدة (ممثلة العالم برمته) تواطأت في هذا المجال مع إسرائيل وطبقت «وعد بلفور» بحذافيره لمصلحة اسرائيل، فيما تم التراجع عن الوعود للعرب الفلسطينيين، كما تم التراجع عن الوعود الدولية للعرب الذين وقفوا إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، والإنكار هنا ايضا مستمر، والتجاوزات مستمرة.

وحاول الخالدي تجاوز هذه النظرة التشاؤمية بالنسبة للشعوب الثلاثة في ختام محاضرته. وفي رده على الأسئلة، قائلا إن شأن الاستقلالية الكردية يُطرح جدياً هذه الأيام وخصوصا بعد مواجهة الأكراد الشرسة مع «داعش». أما بالنسبة للفلسطينيين فهناك اعتراف إعلامي، وخصوصا لدى شباب أوروبا وأمريكا، بحدوث النكبة الفلسطينية عام 1948 وبعدم تصديق الرواية الإسرائيلية حول هذا الموضوع، وهذا أمر لم يكن موجوداً من قبل.

أما بالنسبة إلى سبب اختيار الاستعمار للشعبين الكردي والأرمني لاحباط حقوقهم في السيادة قال الخالدي في رد على سؤال عما إذا كان هذا الأمر لخشية الدول الاستعمارية من سيطرتهم كدول على مناطق حيوية اقتصادياً وصعوبة تفتيتهم بسبب صلابة قوميتهم، قال: إن السبب الرئيسي كان رفض تركيا مشروع تفتيت المنطقة المحيطة بها إلى دويلات قومية، ولو نجحت الدول الكبرى في تقسيم تركيا، لنال الأكراد والأرمن دولتيهما.
أما بالنسبة إلى فلسطين فعدم تنفيذ الوعود يعود طبعا إلى عدم رغبة إسرائيل وحلفائها في الغرب في تنفيذ هذه الوعود.

وهذه الخلاصة دفعت الخالدي إلى القول إنه طالما استمرت تركيا وإسرائيل في موقفهما المتصلب إزاء هذا الموضوع فإنه سيصعب او حتى قد يستحيل إنشاء دول فاعلة لهذه الشعوب الثلاثة.وسأله أحد الطلاب عما قاله في أحد كتبه السابقة في أن مشروع الدولة الفلسطينية قد يتحقق، فأجاب: «قلتُ ذلك في عام 2001. الآن أصبح الأمر أصعب. وفاعلية الأرمن في الشتات والفلسطينيين في الشتات والداخل ستستمر في سعيها لتحقيق العدالة، كما أن مواقف الأكراد الميدانية في العراق وسورية يجب أن تجني ثماراً.
ويذكر أن الخالدي يحتل كرسي أدوارد سعيد في جامعة كولومبيا الأمريكية العريقة في نيويورك.

سمير ناصيف

القدس العربي

Share This