مجلة الآداب اللبنانية تخصص ملفاً عن تركيا

العدد ١١-١٢ /٢٠١٠

صدر العدد الجديد من مجلة الآداب (١١-١٢ /٢٠١٠) وهو يتضمن ملفاً ضخماً عن تركيا خاصاً بالمجلة، من إعداد سدا ألتوغ (تقديم ثان: ياسين الحاج صالح، ترجمه عن التركية بكر صدقي، وعن الإنجليزية يشار يوسف).

المساهمون في الملفّ مثقفون نقديّون من تركيا والخارج.

عمر لاجينَر كاتبٌ معروف ورئيس تحرير المجلة الاشتراكيّة الشهريّة، بيريكيم BİRİKİM، وقد كتب مطوّلاً عن الاشتراكيّة، والليبرتاريّة، والدولة، واليسار التركيّ، والسياسة التركيّة بشكل عامّ. تانِل بورا باحثٌ وكاتب ومساهم دوريّ في بيريكيم، وقد كتب عن القومويّة، واليمين التركيّ المتطرّف، وقضايا سياسيّة تركيّة أخرى. يوكسَل طاشقِن ناشط وأكاديميّ يكتب عن المحافظيّة التركيّة، واليمين واليسار التركيّين، والسياسة الخارجيّة التركيّة. آكسو بورا كاتبة وأكاديميّة نسْويّة تكتب عن الجندر، والسياسة والحركة النسْويّة. تَنَر أكجام ناشط وأكاديميّ يدرّس حاليًاً في بوسطن، في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهو أحد الأوائل الذين أدخلوا مسألة الإبادة الأرمنيّة إلى النقاش العامّ في تركيا، وقد كتب مطوّلاً عن الموضوع وعن الثقافة السياسيّة التركيّة. أما سدا ألتوغ فهي باحثةٌ ومؤرِّخة اشتغلتْ على موضوع اللاجئين في سوريا بين الحربين العالميّتين، وعلى الانتداب الفرنسيّ في سوريا، والطائفيّة، والحدود السوريّةـ التركيّة، وتشكيل الهويّة والذاكرة عند أقلّيات المنطقة.

كما يتضمن العدد دراسات عن الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي (زياد حافظ)، تجربة العلمانيين والإسلاميين في تونس (نجيب الشابي)، الحب والجنس (خريستو المرّ)، مظفّر النوّاب (علي نسر)، مقابلة مع عمر البرغوثي عن المقاطعة والدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية (أجراه غسان بن خليفة)، فضلاً عن مراجعتيْ كتب لبيتر غران ونيكوس كازانتزاكي (جمال واكيم وماجد صالح السامرائي)، وقصائد (خديجة السعدي، طراد الكبيسي، بهيجة مصري أدلبي، وعمرو كيلاني)، ونصًا عن رحلة إلى بيروت (عبد العزيز الراشدي)، ومقدمة الطبعة الثانية من “تغطية الإسلام” لإدوارد سعيد).

وجاءت العناوين على النحو التالي:

الإفتتاحية: المشكلة الكبرى بقلم سماح ادريس

الأخلاق في الاقتصاد الإسلاميّ كما جاء في القرآن الكريم بقلم زياد حافظ

العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين: تجربة 18 أكتوبر في تونس بقلم نجيب الشابي
عمر البرغوثي: الدولة الديمقراطيّة مستحيلة في فلسطين من دون باقي العالم العربيّ، وتجب استعادةُ “المنظّمة” ممّن اختطفوها
مقدمة لملف تركيا بقلم سَدا آلتوغ
الحركة النِّسْويّة في تركيا بعد ١٩٨٠ بقلم آكسو بورا
في بعض الشؤون السياسيّة التركيّة الراهنة: حوار مع إتيين محجوبيان
الجيش حزبًا سياسيًا بقلم عمر لاتشينز
الخوف من مواجهة التاريخ: خطوات أساسيّة على طريق المصالحة التركيّة – اﻷرمنيّة بقلم تانَر أكجام

عن الحقدِ المتنامي في تركيا ضدَّ الأكراد بقلم تانل بورا

حزب العدالة والتنمية وبحث تركيا عن نفوذٍ إقليميّ بقلم يوكسَل طاشقِن

وتحت عنوان “مقدمة لملف تركيا” كتبت سَدا آلتوغ:

“خلال العقود الأولى للجمهورية التركيّة الحديثة، غالبًا ما كانت كلمة “عرب” أو “عربيّ”، التي وُظِّفتْ كفئةٍ متجانسةٍ قائمةٍ بذاتها، تثير في مخيّلة النُخب الكماليّة [نسبةً إلى مؤسس الجمهوريّة كمال أتاتورك] صوَر الخيانة السياسيّة والتخلّف الاجتماعيّ والدينيّ. وأثناء فترة الحرب الباردة وما قبلها، تميّزت العلاقة بين “الأتراك” و”العرب،” كما تمّ تخيّلُهم في الإيديولوجيّة الرسميّة، بتزايد البُعد والتغارب. إذ مهّدت الإصلاحاتُ الكماليّة المُغَرْبِنة الطريقَ أمام فقدان الشرق الأوسط لجاذبيّته كمصدرٍ للإلهام الأدبيّ ووجهةٍ أو مساحةٍ لشتّى أنواع التفاعلات. وقد تمخّض ذلك عن شبه انعدام للفضول والاهتمام الجادّ بالشرق الأوسط وإهماله على المستوى المجتمعيّ. وسَرعان ما باتت الحروفُ العربيّةُ تثير في مخيّلة المجتمع التركيّ دلالاتٍ دينيّةً إسلاميّةً فقط. كذلك أدّى ضعْفُ علاقات تركيا الدبلوماسيّة مع الدول العربيّة، وتشديدُ الحدود معها، إلى صورةٍ جوفاءَ للشرق الأوسط تقلّل من شأن غِنى المنطقة الثقافيّ والإثنيّ والدينيّ، ناهيك بالصراعات والتحوّلات التي شهدتها.

لكنّ الحدود التي خطّتها الكماليّة بين تركيا و”مشرقها” بدأتْ بالتزحزح في الأعوام العشرة الأخيرة. فقد شهدت السنواتُ الأولى من الألفيّة الجديدة انفتاحًا وتقاربًا نسبيَّيْن بين تركيا ودول شرقأوسطيّة معيّنة، الأمرُ الذي كان له انعكاسُه على الفاعلين الاجتماعيّين أيضًا. وقد انتمى المبادِرون بالانفتاح إلى المؤسّسة الإسلامويّة المحافِظة الجديدة في تركيا، المتمثِّلة في حزب العدالة والتنمية، الذي يسعى، مستغِلاً تغيّرَ الظروف المحليّة والإقليميّة والدوليّة، إلى أن يكون “قوّة ناعمة” في المنطقة. وإذا كان “الاختلاف” شعارَ النُخب الجمهوريّة، فإنّ فهمًا ثقافويًا لـ “المشترَكيّة،” مع نكهةٍ إسلامويّةٍ ونبرةٍ عثمانيّةٍ جديدة، يشكّل أساس الخطاب الجديد لانفتاح العدالة والتنمية. ومع ذلك، لا تزال جوانبُ معيّنة من عقليّة الدولة الأمنيّة تشكّل الإطارَ المعرفيّ لمصالح الممسكين بزمام السُلطة الجُدد، وبخاصّةٍ في العراق وسوريا المجاورتين.

وتتمظهر هذه العقليّة، الجوهريّة بالنسبة إلى المصالح التركيّة الجديدة، في التعاون بين تركيا وحكومتي هاتين الدولتين في ما يتعلّق بالمسألة الكرديّة بشكلٍ خاصّ. ومن نافل القول إنّ انفتاح أسواق دول الشرق الأوسط أمام الصناعات والتجارات التركيّة قد رافق عمليّة الانفتاح السياسيّ هذه.

يشترك كلا الموقفين (الكماليّ والإسلامويّ المحافِظ) في علاقتهما مع الشرق الأوسط، وبالرغم من الانفتاح المحدود في حالة الثاني، في المنظور الدولتيّ ـ النخبويّ – النفعيّ الذي تتّسم به وجهاتُ النظر الأمنيّة الإستراتيجيّة. وتنعكس هذه المقاربات على قطاعاتٍ متنوّعةٍ من المجتمع التركيّ، من مثقفين ومنظمات مجتمع مدنيّ وناشطين من مختلف الأطياف السياسيّة. إذ ليس من النادر مصادفةُ مؤرّخين عثمانويّين [مختصّين بالحقبة العثمانيّة] أو علماء سياسيّين أو صحفيّين لم يعبُروا في حياتهم حدود الدولة التركيّة إلى “مشرقهم” نفسه. بل إنّ أبسط المعرفة اللغويّة والجغرافيّة بالشرق الأوسط، بتشكيلة سكّانه الإثنيّة والدينيّة وأحوال مجتمعاته، لا تزال قضايا تعاني جهلاً أكثر ممّا تعاني سوءَ فهمٍ، كما كانت الحال مع المجتمعات الاستعماريّة الغربيّة القديمة. لا يزال اهتمامُ الأتراك الإنسانيّ الحقّ بمجتمعات الشرق الأوسط، بكلّ تعقيداتها وصراعاتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة ونقاشاتها الفكريّة والسياسيّة، شبْهَ غائب، ولا تزال العلاقات والتقاطعات بين قطاعاتٍ حيويّةٍ من مجتمعات الطرفين هامشيّة جدًا.

وبالمثل، فإنّ ما يراه العربُ من تركيا، وكيف يرونه، يتعلّق بالموقع الذي ينظرون منه في الحاضر، والظروف التاريخيّة التي قادتْ إلى تشكّل هذه النظرة. ذلك أنّ المتجمعات الشرقأوسطيّة الرازحةَ تحت حكم أنظمة دكتاتوريّة لم تفِ بوعود أنظمة ما بعد الاستقلال بخلق مجتمعاتٍ حرّةٍ وكريمةٍ ومتساويةٍ ـ بالإضافة إلى تأثير تحدّي الحركات الإسلامويّة لها و”السلامِ” المؤجّلِ أبدًا في فلسطين ـ تنظر إلى تركيا من خلال عدسات تؤطِّرها هذه “الخارجيّات المؤسِّسة.” فلا تمثيل القومويّين العرب لـ “أربعمائة عام من الاحتلال العثمانيّ،” ولا صورة حزب العدالة والتنمية كـ “مخلِّص للفلسطينيّين،” ولا أوهام العلمانيّين العرب عن “تركيا المحظوظة بعَلْمنتها،” تكفي للقبض على واقع الدولة والمجتمع التركيّين. تنتظر هذه التمثيلات أن يحلّ محلَّها فهمٌ أكثر حسّاسيّة للفروق والاختلافات الدقيقة في المجتمع التركيّ. وهذا الملفّ إحدى المحاولات الأولى التي تهدف إلى تقديم نظرة أوسع وأكثر تعقيدًا عن تركيا اليوم، دون أن تنحشر في الكليشيهات التي تهيمن على المنطقة وفي هذا النوع من الدراسات. فمقالات الملفّ تحاول إعطاء صورة نقديّة عن بعض القضايا الخِلافيّة في تركيا، وهي تتعلّق بالدولة، والمؤسسات، والإيديولوجيّات، والحركات الاجتماعيّة. ونأمل أن تتلو هذا الملفَّ التمهيديَّ ملفّاتٌ أخرى ستفتح الباب أمام تفاعلاتٍ مُنتِجةٍ ووجهاتِ نظرٍ نقديّةٍ في مجتمعات كلا الطرفين.”

وتحت عنوان “حزب العدالة والتنمية وبحث تركيا عن نفوذٍ إقليميّ” كتب أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة في جامعة مرمرة -إسطنبول- يوكسَل طاشقِن، (ونقله عن الإنجليزيّة شيار يوسف): “تُخطئ تحليلاتٌ كهذه هدفَ حكومة العدالة والتنمية، وهو ليس القطيعة مع سياسة تركيا التقليديّة في الاصطفاف مع الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبيّ، بل زيادة استقلاليّة تركيا النسبيّة تجاه هاتين القوتين. فبدلاً من الانفصال، يدلّ نهجُ تركيا الجديد على نقلةٍ في التكتيكات، مع بقاء الهدف نفسه…

وقد قادت الرؤيةُ السياسيّةُ الخارجيّة تركيا إلى لعب دورٍ وساطيّ أكثر فاعليّة في الخلاف النوويّ بين إيران وقوى الغرب.

… بعد فوز ساحق في انتخابات 2007، شعرتْ قيادة العدالة والتنمية بقدر كافٍ من الأمان لمراجعة سياسة الحزب في الشرق الأوسط. فقد عُيّن أستاذُ العلوم السياسيّة أحمد أحمد دافوطوغلو وزيرًا للشؤون الخارجيّة عام 2009، واستطاع أن يطبّق رؤيته لدور تركيّ أكثر حزمًا. وفي كتابه العمق الاستراتيجيّ، يرفض الصورة التقليديّة لتركيا كجسرٍ بين الشرق والغرب، ويقترح سياسةً تفاعليّة لتركيا بوصفها صاحبة مبادرةٍ ونفوذٍ وساطيّ في سلام المنطقة واستقرارها ــ وهي سياسة تُعرف شعبيًا بسياسة “لا مشاكل” مع الجيران.

إعادة مَوْقَعة تركيا نفسَها قوةً إقليميّةً مستقلة أحدثتْ، كذلك، نقلة في موقفها تجاه الاتحاد الأوروبيّ. يقدّم أردوغان صورة تكميليّة للعلاقة بين بلاده والاتحاد الأوروبيّ: “تركيا قادمة لتُشارك في حمل أعباء الاتحاد الأوروبيّ، لا لتكون عبئاً عليه. ولكي تكون قوّةٌ ما كونيّةً، فيجب أن تكون هناك رؤيةٌ كونيّةٌ وعلاقاتٌ مع بقيّة الأقاليم. سوف تكون تركيا بوّابةَ انفتاح الاتحاد الأوروبيّ على آسيا والشرق الأوسط والعالم الإسلاميّ. إنّ الأمن الكامل للاتحاد الأوروبيّ يمرّ بالعضويّة الكاملة لتركيا [في الاتحاد الأوروبيّ].” وبسبب إحساس تركيا بقوة أكبر في علاقتها بالاتحاد الأوروبيّ، فقد فقدتْ في ظلّ حكم العدالة والتنمية رغبتَها في إنجاز إصلاحاتٍ جديدةٍ لتسريع انضمامها إلى الاتحاد، خاصة بعد أن بدأتْ حكومتا ألمانيا وفرنسا، منذ عام 2005، برفع صوتيهما ضدّ عضويّة تركيا المتأمَّلة.

أكثرُ التغيّرات أهميّةً في سياسة تركيا الخارجيّة هي في علاقاتها بالشرق الأوسط، ما أدّى إلى تحدّيات جديدة للشراكة التقليديّة بين تركيا والولايات المتحدة. لكنْ حدثتْ أيضًا تغيّرات في سياسة تركيا تجاه روسيا؛ فقد ابتعدتْ تحت حكم العدالة والتنمية عن سياسات التسعينيّات التي دعمت، قولاً على الأقلّ، فكرةََ حماية “العالَم التركيّ من البحر الأدرياتيكيّ إلى الجدار العظيم،” وأصبح موقفُها أقلَّ قومويّةً تجاه الشعوب التركيّة والمسلمة في آسيا الوسطى وروسيا. فبينما تُزوِّد روسيا تركيا بالغاز الطبييعيّ، تلعب تركيا دورًا محوريًا في تأمين الأنانبيب الدوليّة التي تنقل النفطَ والغازَ التركيّين إلى العالم الخارجيّ.

هذا وقد أحرزتْ تركيا كذلك بعضَ التقدّم في تطبيع علاقاتها بأرمينيا، إذ توصّل البلدان عام 2009 إلى اتفاق على تأسيس علاقات دبلوماسيّة وفتح الحدود التي كانت تركيا قد اغلقتها بينهما منذ 1993 تضامنًا مع أذربييجان في نزاعها مع أرمينيا. وعلى الرغم من تعثّر البروتوكولات بسبب صعوبة ضمان مصادقة برلمانَي البلدين عليها، فإنّ هذا الاتفاق خطوةٌ أولى مهمّة على طريق فتح موضوع حسّاس ومحظورٍ نقاشُه. وتشير هذه الإجراءات كلُّها إلى ابتعادٍ ملحوظٍ عن تقاليد السياسة الخارجيّة الحذِرة، بل السلبيّة (عكس الفاعلة)، في الماضي.

النظر في اتجاه الشرق- انتهج حزبُ العدالة والتنمية، بدرجات نجاحٍ متفاوتة، منهجَ القوّة الناعمة تجاه العراق، مبتعدًا عن الخطاب القومويّ للحكومات القوميّة المتطرّفة التي سبقتْه، …

مكان على الطاولة- يدرك حزبُ العدالة والتنمية أهميّة تقديم صورةٍ عن تركيا بوصفها قوّة أساسيّة في المنطقة من أجل تهميش نفوذ إيران الإيديولوجيّ. ومثل الرئيس الإيرانيّ أحمدي نجاد، زادت شعبيّةُ أردوغان في الشرق الأوسط بسبب انتقاداته الصريحة للدولة الإسرائيليّة. كما يشكّل بطلُ الفلسطينيّين الجديدُ تحدّيًا للقادة العرب الذين يصرّون على صمتهم إزاء الحصار الإسرائيليّ على غزّة. بل إنّ انتخاب أردوغان المتديّن رئيسَ وزراء بعد انتخاباتٍ عادلةٍ قد يفسّر جزئيًا شعبيّته بين بعض المجموعات الإسلاميّة في الدول العربيّة، والتي تَستخدم نموذجَه لممارسة الضغط على حكّامها المستبدّين.

إنّ إشارات أردوغان المتكرّرة إلى القضيّة الفلسطينيّة يدفعها مزيجٌ من الإيديولوجيّة والتكتيك المتعمّد. كما أنّ النزعة الأبويّة لحماية الفلسطينيّين لها صلةٌ بحاجةٍ سيكولوجيّةٍ لدى الديمقراطيّين الإسلاميّين وقد تحوّلوا إلى محافظين لإثبات أنهم لا يزالون متمسّكين بالتزاماتهم الأخلاقيّة تجاه الأمّة [الإسلاميّة]. لقد مرّ الإسلامويّون السياسيّون في تركيا بعمليّة اعتدال إيديولوجيّ جدّية، سوى ما خصّ قضيّتي فلسطين والحجاب.

أخيرًا لا آخرًا، بدأتْ تركيا استخدامَ وسائل ثقافيّة لإعلاء مكانتها في الشرق الأوسط. فقد أطلقتْ حكومةُ العدالة والتنمية قناةً تلفزيونيّةً وبرامجَ إخباريّةً ناطقةً بالعربيّة للترويج لسياسات تركيا في البلدان العربيّة. كما لاقت المسلسلاتُ التلفزيونيّة التركيّة جمهورًا واسعًا في المنطقة، وأغضبتْ بعض الدوائر المحافِظة التي اعتبرتْها جهودًا متعمّدةً تقود إلى التحلّل الأخلاقيّ بين المسلمين. فقد أنحى بعضُ أعضاء الأزهر في مصر، على سبيل المثال، باللائمة على مسلسل “نور” التركيّ (Gümüs في الأصل) في تزايد عدد حالات الطلاق في البلد بسبب رفع “الآمال الرومانسيّة لدى النساء.”

من الناحية التكتيكيّة، تتيح زيادةُ قوّة تركيا ومكانتها في الشرق الأوسط تأكيدَ نفسها لاعبًا لا غنى عنه في المنطقة. إنّ حزب العدالة والتنمية لا يرمي إلى قطع روابط تركيا التاريخيّة بأمريكا وأوروبا، بل إلى تعزيز مكانة تركيا لاعبًا أساسًا ومستقلاً في المنطقة.. كما أنّ الإشارات المتزايدة إلى تعدّد الأقطاب في السياسة الدوليّة تقدّم فرصًا كثيرةً للحكومة التركيّة من أجل مضاعفة نفوذها الإقليميّ، الذي يمكن تحويلُه إلى قوّةٍ تساوميّةٍ في علاقتها بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ. وربما أجملتْ كلماتُ أحمد دافوطوغلو الآتية رؤيتَه عن تركيا بشكل واضح: “على النظام الكونيّ الجديد أن يكون أكثرَ احتواءً وتشاركيّة… ستكون تركيا بين أولئك اللاعبين النشطين والمؤثّرين الذين يجلسون حول طاولةٍ ليحلّوا المشاكلَ بدلاً من مجرّد مراقبتها.”

وهذه لمحة عن مجلة الآداب:

نشأت مجلة الآداب عام 1953، وهي منذ سنوات تصدر ست مرات في العام (96-136 صفحة)، وتتضمّن ملفات في الفكر السياسي، والشعر، والرواية، والقصة، والسينما، والمسرح، والثقافة العامة.

رئيس التحرير: سماح إدريس

مديرة الإشتراكات والأرشيف: ميشلين الخوري

المدير المسؤول: عايدة مطرجي إدريس

المراسلون: عبد الحق لبيض (المغرب)، ياسين الحاج صالح (سوريا).

Share This