منزل الأرمني سيروب أنتيكجيان في عمان: هوية مميزة شاهدة على تاريخ شارع الرينبو غيداء حمودة

سيروب

 ما إن تدخل البيت حتى تشعر بهويته المميزة، وينشرح صدرك لشبابيكه الواسعة والممتدة، وتستقبلك عند مدخل البيت شجرات عتيقة منها شجرة ليمون، ونباتات تزين مدخل البيت وتضفي عليه بهجة خاصة مثل ”المجنونة“. هو بيت سيروب أنتيكجيان، الأرمني الأصل، الذي بدأ بناءه في العام 1934 وسكنه في العام 1936، في شارع الرينبو في منطقة الدوار الأول.

كان سيروب أنتيكجيان كبير الأرمن في عمان، وهو شخص عصامي يُعرف بكرمه واحترامه الكبير لغيره، وهو من منح أرضا في جبل الأشرفية لبناء كنيسة الأرمن هناك. جاء سيروب إلى عمان هربا من مذابح الأرمن التي حصلت في تركيا خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. كان عمله الأساسي في مجال ميكانيك السيارات، إلا أنه عمل في بداية حياته في عمان كسائق مع ثاني رئيس وزراء في الأردن رضا باشا الركابي، نظرا لقلة السيارات، وكان ذلك في العام 1923، بحسب عاكف أديب القسوس، الذي عاش في الطابق الأرضي من المنزل، وعاشر سيروب وعائلته. بعد عمله كسائق، فتح سيروب مكتبا كبيرا للسفريات بالسيارات والباصات من/إلى عمان­ القدس، حيفا، ويافا، وبغداد، إلا أن عمل المكتب توقف بعد نكبة العام 1948 واحتلال فلسطين، ليبدأ سيروب بعدها مشروعا جديدا؛ حيث فتح محلاً لبيع الاسطوانات والآلات الموسيقية تحت اسم ”ستوديو البترا“، والذي كان يقع مقابل البنك العربي في شارع الملك فيصل وسط البلد. ويبين عاكف القسوس، الذي كان يعمل في المحل في العطلة الصيفية ويتقاضى 10 قروش في الأسبوع في منتصف سيتينيات القرن الماضي، أن الجيش العربي كان يشتري من هذا المحل الآلات الموسيقية ذات الصناعة الغربية؛ الألمانية والانجليزية، ليستعملها في فرقته الموسيقية. ويضيف أن ”ستوديو البترا“ كان المحل الوحيد الذي يبيع اسطوانات المغنين الكلاسيكيين مثل فرانك سيناترا، بالإضافة إلى الكلاسيكيات العربية. ووفق عاكف، فقد ”بقي المحل مشهورا جدا حتى الثمانينيات من القرن الماضي“، وتحول فيما بعد لبيع الكاسيتات.

قبل أن يسكن سيروب البيت، كان يستأجر بيتا في منطقة المحطة، ومن ثم انتقل إلى بيته الجديد في العام 1936، هو وعائلته المؤلفة من زوجته وبناته الثلاث وولديه. يتكون البيت من طابقين؛ طابق أرضي يتكون من غرفتين ومطبخ ومرافق مع حديقة خلفية، وسكنته عائلة أديب القسوس منذ العام 1955. أيضا كانت في الطابق الأرضي غرفتان منفصلتان مع مرافقهما، سكنهما أقرباء سيروب. أما الطابق الذي يأتي على مستوى شارع الرينبو فهو البيت الذي سكنه سيروب وعائلته لسنوات. ينقسم بيت سيروب إلى 3 غرف نوم وصالون وغرفة معيشة وغرفة سفرة ومرافق أخرى، بالإضافة إلى شرفة كبيرة مطلة على الحديقة الخلفية. تفاصيل البيت تؤكد قدمه وهويته المميزة، من الأبواب الخشبية العتيقة، والشبابيك الواسعة التي يقسم العديد منها إلى 4 أجزاء، والسقف العالي، وحجر البيت القديم. ويستذكر عاكف الحديقة التي كانت تنتشر فيها أشجار السرو التي ما تزال حتى الآن، بالإضافة إلى شجر الرمان والأسكدنيا ”ذات الحبة الكبيرة“، والدالية وشجر الليمون وشجرات زينة التي ”كنا نتعربش عليها ونحن صغار“. ويقول عاكف ”كنا نقضي وقتا طويلا مع عائلة سيروب؛ حيث كنا عائلة واحدة، وكنا نلعب سويا مع أبنائه وبناته“. ويضيف أن نازيك حفيدة سيروب كانت تلبس في عيد الميلاد المجيد ملابس ”سانتا كلوز“ وتخبئ لهم الهدايا عند شجرة عيد الميلاد. أما في عيد الفصح، فقد كانوا يلونون البيض، وتتم تخبئته في البستان، ويقوم هو وأولاد وبنات سيروب بالبحث عنه. ومن عادات عائلة سيروب التي يذكرها عاكف، أن زوجته كانت دائما تعمل على تخزين مونة الطعام من أرز وسكر وغيرهما، ويُرجع ذلك إلى أنه ”ربما رغبتهم بالشعور بالأمان بعد المجازر التي تعرض لها الأرمن“. ويبين أن والدته تعملت من زوجة سيروب هذه العادة، وأصبحت هي أيضا تخزن المونة الأساسية للبيت. ويستذكر كيف كانت عائلة سيروب تجتمع يوميا عند تناول الوجبات الثلاث وفي أوقات محددة؛ حيث كانت هذه ”عادة مقدسة“ لديهم، فضلا عن السهرات العائلية التي كان يشارك فيها عاكف، ويتبادلون فيها أطراف الحديث. ويضيف أنهم كانوا يرسلون لأقربائهم الأرمن خارج الأردن ”بطاقات خاصة في ذكرى مجزرة الأرمن“، وكان هذا أيضا طقسا سنويا لديهم. وعن منطقة جبل عمان وشارع الرينبو، يقول عاكف ”كانت هذه المنطقة تجمع مختلف الأعراق والأجناس، من عرب وشركس وأرمن ومسيحيين ومسلمين“، حيث كان الجميع يعيش بانسجام كبير. ويضيف أن بيت سيروب يأتي بجانب بيوت عدة لشخصيات أردنية مرموقة سكنت منطقة جبل عمان. ويبين أنه ”سكن في هذا الحي الملك طلال بن عبدالله الأول (والذي كان في تلك الفترة الأمير طلال ولي العهد) وعاش في المنطقة مع عائلته، كما ولد في البيت نفسه، الذي يسمى اليوم دارة الملك طلال، سمو الأمير محمد بن طلال“. ويضيف أنه سكن الحي رؤساء وزراء وكانت بيوتهم قريبة من بعضها بعضا منهم: توفيق أبو الهدى وسعيد المفتي وبهجت التلهوني وإبراهيم هاشم وفوزي الملقي وسمير الرفاعي، قبل أن يبيع منزله هناك إلى المرحوم حمدي منكو وينتقل إلى جبل اللويبدة، وكذلك سكن في الحي وترعرع فيه كل من الأمير زيد بن شاكر ورؤساء الوزراء السابقين علي أبو الراغب ود. فايز الطراونة وعبدالكريم الكباريتي، بالإضافة إلى رئيس الأركان في الجيش العربي جون باغوت غلوب باشا، وأول معتمد بريطاني للمملكة الأردنية الهاشمية فردريك بييك باشا، الذي كان أيضاً ضابطا كبيرا في الجيش العربي، ومنه استلم الفريق جلوب باشا قيادة أركان الجيش. أيضا سكن الحي العديد من الوزراء والنواب والأعيان من أمثال ناصر الدين الأسد وسابا العكشة وصالح المعشر وبشارة الغصيب، فضلا عن العديد من رجال الأعمال والصناعيين والتجار الكبار مثل شفيق الحايك وإسماعيل البلبيسي وحمدي منكو وغيرهم. وفي الحي نفسه، تم بناء أول مدرسة خاصة للبنات وهي ”المدرسة الأهلية للبنات“ في العام 1926، كما تم إنشاء أول روضة للأطفال في العام 1941 من قبل سيدة لبنانية اسمها هنرييت مارتيني، وكان من أوائل طلابها الملك حسين بن طلال والأمير زيد بن شاكر وبشارة الغصيب، فضلا عن العديد من رجال الأعمال والصناعيين والتجار الكبار مثل شفيق الحايك وإسماعيل البلبيسي وحمدي منكو وغيرهم. وفي الحي نفسه، تم بناء أول مدرسة خاصة للبنات وهي ”المدرسة الأهلية للبنات“ في العام 1926، كما تم إنشاء أول روضة للأطفال في العام 1941 من قبل سيدة لبنانية اسمها هنرييت مارتيني، وكان من أوائل طلابها الملك حسين بن طلال والأمير زيد بن شاكر.

لم يسكن بيت سيروب طيلة 72 عاماً سوى عائلة أنتيكجيان، وتوفي سيروب في العام 1982 وبقي في البيت نجله أوهارنيس وزوجته وولده سيروب حتى توفاه الله في العام 2008. وبعد أعمال ترميم داخلية، افتتح مطعم سفرة في العام 2011، بعد أن استأجر البيت مجموعة مطاعم روميرو، وتمت المحافظة على المنزل كما هو، إلا أنه تم فتح الغرف الداخلية على بعضها بعضا. أما الشبابيك والأبواب فقد بقيت كما هي، وحتى الباب الحديدي الخارجي فهو محافظ على قدمه وخصوصيته.

غيداء حمودة

جريدة الغد

Share This