القضيّة الأرمنيّة.. يحملها الأحفاد بوجه أردوغان

logo 

ذكرى مجازر الأرمن مهمة بالنسبة للمجتمع المدني في تركيا فكلما زاد المجتمع مطلبه في الاعتراف ستشعر الحكومة بأنها توجد تحت ضغط كبير.

خلاصة من بحث: هوشنك أوسي ‘أدوغان والأقليات في تركيا’، ضمن الكتاب 106 (أكتوبر 2015) ‘تركيا والإرهاب والأقليات النَّوعية’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

عاش الأرمن في الحقبة العثمانيّة ضمن ولايات شبه مستقلة؛ ويُتهم السلطان عبدالحميد الثاني (1842 – 1918) بأنه أوّل من بدأ حملات إبادة الأرمن. وصلت هذه الحملات إلى ذروتها، حين تم تجميع المئات من الأعيان والنخب الدينيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة في إسطنبول وإعدامهم علناً، يوم 24/4/1915. لذا، يعتبر الأرمن هذا اليوم، مناسبة لإحياء ذكرى المجازر سنويّاً. وبدأت الجماعات الأرمنيّة في الشتات، منذ منتصف الستينيات، الضغط باتجاه انتزاع اعتراف دولي بهذه المجازر على أنها إبادة جماعية “جينوسايد”، وصولاً لتشكيل حالة ضغط دولي على تركيا، تجبرها على الاعتراف بهذه المجازر، والاعتذار عنها، وتقديم التعويضات لعوائل الضحايا.

بحسب المصادر الرسميّة، يوجد في تركيا نحو (170) ألف شخص، (70) ألفا فقط يحملون الجنسيّة التركيّة، ويعانون من التمييز والقمع وعدم الاعتراف بهم كمكوّن من النسيج الاجتماعي التركي ضمن الدستور. وقُتل الكاتب والصحافي التركي، الأرمني الأصل، رئيس تحرير صحيفة “آغوس” الأرمنية: هرانت دنيك (1954 – 2007) على يد عصابات تركيّة متطرّفة، في 19/1/2007 بسبب انتقاده مذابح الأرمن. كما أثار دينك أصلُ ابنة أتاتورك بالتبنّي “صبيحة غوكتشن” (أول امرأة تركيّة تقود طائرة، وشاركت في قصف مدينة ديرسم العلوية الكردية سنة 1938) وأنها من أصل أرمني، أخذها أتاتورك من أحد ملاجئ الأيتام!

كما كشفت مصادر صحفيّة تركيّة أن قصر تشان كايا الرئاسي التركي المعروف الذي كان يسكنه أتاتورك في أنقرة، تعود ملكيّته لعائلة أرمنيّة.

في شهر مارس (آذار) 2010، وحين كان إردوغان رئيساً للوزارة، صرّح لهيئة الإذاعة البريطانيّة (BBC) مهدداً واشنطن بأنه في حال مصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون إدانة مذابح الأرمن، فإنه سيطرد (100) ألف أرمني من تركيا، وأن هذه الخطوة قد “تضر بالتقدم في عملية مصالحة هشة بين تركيا أرمينيا”.

الجبهة السياسيّة والقانونيّة:

نجح اللوبي الأرمني في محاصرة تركيا، عبر انتزاع الاعتراف بهذه المجازر، وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، حين بحثت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في جلستها المنعقدة في مارس (آذار) 1979 التقرير المتعلق بالإبادات الجماعيّة، وقررت اللجنة، بأغلبية ساحقة، إعادة الفقرة (30) إلى التقرير، المتعلّقة بالمذابح الأرمنيّة، التي تم حذفها من التقرير، نتيجة الضغوط التركيّة. واتخذ قرار يقضي بإدراج المذابح المرتكبة بحق الأرمن عام 1915 كأول جريمة إبادة في القرن العشرين في تقرير الإبادة الخاص بالأمم المتحدة.

كما نجح اللوبي الأرمني في انتزاع اعتراف بهذه المذابح من البرلمان الأوروبي في سنوات 1989، 2000، 2002، 2005، ومن مجلس الكنائس العالمي، وجمعيّة حقوق الإنسان في تركيا، ونحو (20) دولة، البلد العربي الوحيد ضمنها هو لبنان.

ويرى الكاتب الأرمني هاغوب تشاكريان، المختص في الشؤون التركيّة أن الرئيس الفرنسي: فرانسوا هولاند، سيزور أرمينيا بمناسبة الذكرى المئوية، ولا يستبعد زيارة رؤساء دول أخرى بهذه المناسبة. مشيراً إلى أهميّة الدعوة التي وجهها رئيس أرمينيا سيرج سركسيان، للرئيس التركي إردوغان، لحضور مئويّة المجازر الأرمنيّة. وقال: “لا يعتقد أن إردوغان سيقبل هذه الدعوة. وحتى إذا لم يأت إردوغان إلى أرمينيا، فإننا بهذه الدعوة أخذنا زمام المبادرة. وإذا جاء، فإن على تركيا أن تعترف رسمياً بالإبادة، ولكن كل هذا لن يحصل”.

حزن إردوغان:

كخطوة استباقيّة، وبمناسبة مرور (99) سنة على ذكرى الإبادة، أصدر الرئيس التركي إردوغان بياناً، يوم 23/4/2014، أعرب فيه عن تعازيه للضحايا من الأرمن والترك والكرد، الذين سقطوا في تلك الحقبة، على أنهم كانوا ضحايا الحرب العالمية الأولى. حيث قال: “أتمنى أن يرقد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي عصفت بالمنطقة في مطلع القرن الـ(20) بسلام”. وأضاف: “ليس من الممكن إنكار أن السنوات الأخيرة في عمر الإمبراطوريّة العثمانيّة، كانت فترة شاقة مليئة بالآلام على المواطنين العثمانيين الأتراك والأكراد والعرب والأرمن والملايين من المواطنين الآخرين، بغض النظر عن اختلاف خلفياتهم الدينية والعرقية”.

وفي اليوم التالي، 24/4/2014، حيّا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذكرى الـ(99) للمذابح الأرمنيّة، مستخدماً تعبير ( Meds Yeghern) والذي يعني بالأرمينية “الفاجعة الكبرى”، قائلاً: “عندما نفعل ذلك نذكّر أنفسنا بالتعهدات التي قطعناها فيما يتعلق بعدم تكرار مثل تلك الفصول المظلمة من تاريخ الإنسانيةّ”. لافتاً إلى أن نظرتهم بخصوص أحداث عام 1915 لم تتغير. مؤكداً أن “قبول الحقائق كاملة بشكل عادل، وصادق، أمر في مصلحة الجميع”. وأن الدول التي “تقر بعناصر الألم في ماضيها وتحاسب نفسها، يمكنها أن تنشئ لنفسها مستقبلاً من العدل والتسامح، كما أنها ستقوى بشكل أكبر”، في إشارة منه إلى تركيا. بينما رحّب وزير الخارجية الأمريكي: جون كيري، برسالة إردوغان، واصفاً إيّاها بـ”المؤثرة”، وأنها “تؤكد وتؤيد المبادئ العالميّة”.

دفن الآثار بلا حقوق

دعا رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الأتراك والأرمن إلى “دفن الآلام المشتركة” مشيراً إلى استعداد تركيا للمصالحة مع الأرمن في هذا الإطار. وبرر داود أوغلو المذابح الأرمنيّة بالقول: “فقدان الإمبراطوريّة العثمانيّة للبلقان تسبب في حدوث فظائع جماعيّة وطرد العثمانيين المسلمين من المنطقة. وشهدت تلك الفترة اضطرار حوالي خمسة ملايين عثماني لترك منازلهم في البلقان والقوقاز والأناضول، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار وتدهور العلاقات المجتمعيّة”. واصفاً حملات تهجير الأرمن بـ”إعادة توطين” وقال: “لا يمكن إنكار حقيقة أن الأرمن عانوا بشدة خلال تلك الفترة، وأن النتائج المترتّبة على إعادة توطين القسم الأكبر من الأرمن، كانت غير مقبولة وغير إنسانيّة”.

وتعليقاً على تعزية إردوغان لأحفاد ضحايا المجازر الأرمنيّة، ذكر الكاتب الأرمني هاروت ساسونيان رئيس تحرير نشرة “The California Courier ” أن إردوغان: “يساوي بين الجندي التركي الذي قُتل أثناء الحرب وضحايا المجزرة الأرمنية”. وكشف -بالاستناد إلى مصادر دبلوماسية- “أن البيت الأبيض كان يعلم بصورة جيدة مسبقاً فحوى بيان إردوغان قبل نشره”. و”أن النص الأولي للبيان أعدته وزارة خارجية تركيا. وأجرى البيت الأبيض بعض التغييرات عليه”. وأضاف ساسونيان: “الجانب التركي، قبل بتلك التعديلات، لقاء إفشال مشروع قانون إدانة مذابح الأرمن المعروض على مجلس الشيوخ، بعد تمريره من لجنة العلاقات الخارجيّة في الكونغرس الأمريكي”.

ونقل موقع “الإخباريّة الأرمنيّة” عن صحيفة “آيدينليك” أن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، حين كان وزيراً للخارجيّة، “يتتبع شخصياً الأعمال التي يقوم بها المهجر الأرمني للإعداد لذكرى مرور (100) عام على وقوع المجزرة الأرمنية”. وحسب قول الصحيفة نفسها، قررت أنقرة خطو “خطوات مضادة، منها إقناع حكومة أرمينيا بالعودة إلى مذكرات التفاهم الأرمنية – التركية. بالتزامن مع تنشيط جهود الوساطة للمجموعة المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لحل نزاع ناغورنو غاراباغ المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان.

كما أشار ساسونيان إلى أن رسالة التعزية التي وجهها إردوغان لضحايا المجزرة، لم تكن سبقاً، ذاكراً: “أعيد إلى أذهان الذين كانوا يصرون بصورة خاطئة على أن بيان الزعيم التركي إردوغان في 23 من أبريل (نيسان) لم يسبق له مثيل، أنه قبل حوالي (90) عاماً، وفي 22 من يونيو (حزيران) عام 1926 أدلى الرئيس كمال أتاتورك بحديث لصحيفة “لوس أنجلوس إيكزامينير” وقال بصورة جريئة فعلاً: “إن بقايا حزب تركيا الفتاة يجب أن يتحملوا المسؤولية لقيامنا بقتل عدة ملايين من المواطنين المسيحيين الذين تم بقساوة طردهم من ديارهم والقضاء عليهم”.

وأصدرت الخارجيّة التركيّة يوم 11/4/2014 بياناً أدانت فيه موافقة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قرار ينص على الاعتراف بالإبادة العرقية ضد الأرمن، معتبرةً ذلك “تحيزاً ويخلو من أي أساس قانوني”، معتبرةً ذلك تشويهاً للتاريخ من أجل استثماره سياسياً.

ثقافيّاً، حاول بعض المثقفين الأتراك الخروج عن سياق الخطاب الرسمي، في ما يتعلّق بالمجازر الأرمنيّة، حيث اعترف بها أورهان باموك، الروائي التركي الحاصل على جائزة نوبل للآداب. وكان المؤرّخ التركي تانير آكتشام بين الأوائل الذين تحدثوا عن الجريمة التي ارتكبتها الحكومة التركيّة سنة 1915 ضد الشعب الأرمني. وتحدّث لوكالة “أرمين بريس” حول الأسباب التي يمكن أن تساعد على ذوبان الجليد في العلاقات الأرمنيّة – التركيّة، قائلاً: “نمو المعارضة المدنية في تركيا. وازدياد الضغوط الإيجابية من قبل الدول الغربية، وبصورة خاصة من قبل المهجر الأرمني، على تركيا، هما عاملان مساعدان في هذا الاتجاه”. ولا يتوقّع آكتشام أنه بحلول الذكرى المئويّة للمذابح سيتم “حدوث تغييرات كبيرة في سياسة تركيا”. وقال: “أعتقد أن الحكومة التركية يمكن أن تقوم ببعض الخطوات التجميلية. وتقول: ها قد قمنا فماذا تريدون؟”.

ويرى آكتشام أن مسألة المجزرة الأرمنية “تتحول تدريجيّاً إلى موضوع مهم بالنسبة للمجتمع المدني في تركيا. وكلما زاد المجتمع مطلبه في الاعتراف بالمجزرة الأرمنية فإن الحكومة ستشعر بأنها توجد تحت ضغط كبير”.

موقع ميدل إيست أون لاين

Share This