القضية الأرمنية ضحية المصالح والسياسات الدولية..

map_of_historical_armenia_by_britannica_1994 

أرمينيا – لمحة تاريخية

أصبحت أرمينيا[i]، الواقعة على طريق التجارة بين بلاد الرافدين وآسيا الوسطى، خلال تاريخها المديد ساحة ً للصراعات والمواجهات العسكرية بين القوى الإقليمية والدولية، من الصراع الفارسي – الروماني، إلى الصراع الفارسي – التركي، إلى الصراع الروسي – التركي، وغيرها من القوى التي حاولت السيطرة عليها. وبحكم الموقع الجغرافي لأرمينيا الكبرى بين بحر قزوين شرقاً وشرق الأناضول غرباً، وبين بلاد القوقاس والبحر الأسود شمالاً وبلاد الرافدين وسورية وإيران جنوباً، تمركزت على أراضيها ليس الصراعات الإقليمية والدولية فقط، بل المصالح والاهتمامات لتلك القوى منذ ما قبل التاريخ وحتى يومنا[ii].

شهدت أرمينيا في العصر القديم تطوراً ملحوظاً لكونها مركزاً مهماً للتجارة العالمية كنقطة عبور أساسية بين الشرق والغرب،  وقد سجلت تلك الحقبة ولادة مدن أرمنية عديدة منها العاصمة آنذاك وتدعى » أرطاشاط «(166 قبل الميلاد) التي أصبحت همزة وصل مهمة بين موانئ البحر الأسود من جهة والهند وآسيا الوسطى من جهة أخرى. وبذلك عاشت أرمينيا عصرها الذهبي من النواحي العمرانية والأدبية والفنية فشدت إليها الأنظار والغيرة والأحقاد لتصبح مسرحاً للصراعات الإقليمية للقوى النافدة آنذاك، فتعرضت من جراء ذلك لأخطار وويلات جمة ساهمت في تقوية وترسيخ العزيمة الأرمنية، تعرضت أرمينيا لغزوات الميديين والفرس والرومان والخزر والعرب والمغول وغيرهم. وبالرغم من كل الصعوبات والظروف القاسية والمحن حافظ الأرمن على أصالتهم وتاريخهم وتراثهم وأثبتوا عراقة أقدميتهم وأقدمية كنيستهم الوطنية المسيحية، حيث إن أرمينيا كانت أول دولة في العالم اعتنقت الديانة المسيحية رسمياً في عام 301م من الملك الأرمني ترتاد الثالث. واحتفل العالم المسيحي في عام 2001 بذكرى مرور 1700 سنة على اعتناق أرمينيا هذه الديانة السماوية.

وفي القرن السابع على أثر انهيار الإمبراطورية الساسانية خضعت أرمينيا لحكم الخلافة العربية واستلمت السلالة » البقرادونية «سدة الحكم بشخص » أشوط بقرادوني «الذي توّج ملكاً على أرمينيا بموافقة الخليفة العربي في عام 885 م فدخلت البلاد مجدداً مرحلة نهضة اقتصادية وسياسية وعمرانية تمركزت في العاصمة الجديدة »آني«. وبذلك كانت أرمينيا أول دولة في الخلافة العربية منحها البلاط العباسي في ثمانينات القرن التاسع الميلادي حكماً ذاتياً.

وفي القرن الحادي عشر الميلادي ومع انحلال الخلافة العربية تعرضت المملكة الأرمنية لهجمات الأتراك السلاجقة أدّت إلى فقدان استقلالها وسيادتها. وظهرت في القرن نفسه مملكة أرمنية أخرى في» كيليكيا «دامت ما يقارب ثلاثة قرون (1080- 1375م)، ازدهرت بسرعة كبيرة وخلفت تراثاً غنياً وخاصة في مجالي الأدب والعمران.

ونتيجة للصراع المتواصل بين الإمبراطورية العثمانية وإيران مع ما أورثه من تقسيم جيوسياسي لكيان أرمينيا التاريخي وما تركه من تشريد الشعب الأرمني تم تقسيمها إلى جزأين: أرمينيا الغربية التي خضعت للإمبراطورية العثمانية وأرمينيا الشرقية التي انضمت إلى إيران ودخلت في عام 1828م وفق معاهدة » تركمانتشاي «تحت سيطرة روسيا القيصرية.

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وفي عصر السلطان عبد الحميد الثاني نفذت في أرمينيا الغربية من قبل الإمبراطورية العثمانية مجازر عرقية ضد الشعب الأرمني. إضافة إلى ذلك أول جريمة إبادة منظمة في الربع الأول من القرن العشرين من الاتحاديين الأتراك، ذهب ضحيتها زهاء مليون ونصف مليون أرمني، وتشرد من بقي منهم على قيد الحياة إلى البلدان المجاورة وخصوصاً إلى سورية ولبنان والعراق.

في أيار/ مايو 1918م أعلنت أرمينيا الشرقية دولة مستقلة جراء نضال طويل وما لبثت أن انضمت إلى الاتحاد السوفييتي فأصبحت في عام 1920 تعرف بجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية. وفي عام 1991 مع انهيار السلطة السوفييتية  حصلت أرمينيا على استقلالها التام وسيادتها الكاملة وأصبحت عضواً في هيئة الأمم المتحدة[iii].

* ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقاطع كتاب “شهادات غربية عن الإبادة الارمنية في الإمبراطورية العثمانية” إعداد ومراجعة ودراسة: البروفيسور-الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق – 2016، (2).

   1- اشتهرت أرمينيا بتاريخها وحضارتها العريقة ومعالمها التاريخية وتراثها وثقافتها. أرمينيا هي الأرض التي بها وعليها تكونت الهوية الأرمنية. وعرفت في التاريخ القديم باسم “نايري” أي “بلد الأنهار” وذكرها كتاب التوراة تحت اسم “مملكة أرارات”. أرمينيا (أو “هاياسطان” باللغة الأرمنية) كانت من المناطق القديمة في الشرق الأوسط والتي لعبت دوراً مهماً في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية في المنطقة بأجمعها. ويعتبر الأرمن أحد أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط وينتمون إلى مجموعة القوميات الهندو-أوروبية.

2- الدكتور حسين عدنان السيد، حول تقرير المصير القضية الأرمنية نموذجاً، بيروت، 1998، ص 55-57.

3- انظر بولاديان آرشاك، جمهورية أرمينيا اليوم، دمشق، 2008، ص 4-7.

Share This