الأرمن في سورية … الأرمني سوري أولاً …!

إن وصول الأرمن إلى سورية لم يبدأ سنة 1915 كما تصدر بعض المصادر، بل بعد انتصارات الملك ديكران Dikran  على الفرس والرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وتذكر المصادر التاريخية بأن الشعب الأرمني كان موجوداً في سورية خلال الفتوحات الإسلامية، وخاصة في قرى محافظة اللاذقية حيث حدود مملكة كيليكيا الأرمنية كانت تصل إلى الضفاف الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وكان الأرمن موجودين في حلب وحمص ودمشق وبيروت، لكن سنة 1915 تضاعف عدد السكان الأرمن في سورية عندما هُجروا الهيا إثر إبادتهم على يد الأتراك ليصل عددهم إلى اكثر من 300 ألف نسمة، هاجر منهم نحو 200 الف إلى أرمينيا وأمريكا وأوروبا لأسباب اقتصادية، مع انهم لا زالوا مسجلين في سجلات القيود المدنية السورية الرسمية لغاية الآن.

ما يجب التأكيد أن السوريين الأرمن هم مواطنون أصلاء، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم حيال بلدهم الأول سورية الذي لا مثيل ولا بديل عنه، ولم يبخلوا يوماً في تقديم الغالي والنفيس لخدمته بحب وتفان وإخلاص، وما فعلته الأزمة بهم من تنكيل وتهجير فلأنهم الحلقة الأضعف من مكونات المجتمع السوري الذي احتضنهم على الدوام ولازالوا يراهنون على انه سيظل موطنهم النهائي الذي سيحتضنهم مستقبلاً، كما عهدوا دائماً من أخوتهم في التراب والمصير من باقي فسيفساء المجتمع أغلبيته وأقلياته.

بعد مضى ستة سنوات من الحرب الظالمة على البلاد، ثلث السورين الأرمن بقوا في وطنهم سورية، وعلى الرغم من الموت المحدق بهم، بسبب تمسكهم بها وإيمانهم بضرورة وحتمية عودة الأمن والسلام إلى ربوعها، والذين هاجروا هم على موعد دائم ومتجدد مع العودة إلى وطنهم لبنائه ونهضته من جديد.

حتى السوريين الأرمن اللاجئين في أرمينيا يعدون أنفسهم ضيوفاً مؤقتين وهم بفارغ الصبر للعودة إلى سورية حيث مساكنهم ومصادر رزقهم والتي دمر معظمها لكنهم على استعداد لإعادة بنائها من جديد ومواصلة حياتهم مع استتباب الأمن وعودة الحياة إلى مدنهم وبلداتهم.

إن المواطن السوري من أصل أرمني يحمل البطاقة الشخصية السورية ويتمتع بحقوق أي مواطن سوري آخر دون أي تفرقة أو تمييز “فهو سوري أولاً” من خلال حقه في المواطنة، وأن شعباً موجوداً في سورية قبل الفتوحات الإسلامية حتماً لا يعتبر في عداد الجاليات، بل من النسيج الأساسي للشعب السوري ولا يمكن تمييزه عن غيره من المكونات، وفي المقابل هناك جالية سورية من أصل أرمني موجودة في أرمينيا للدراسة أو العمل …

إننا إذ ننتقد المفهومين الرائجين للـ “للتسامح الديني” و “التعايش” لأننا نمارسهما بامتياز، والحديث عنهما فقط موجه للعالم الخارجي، فلماذا نعمل على توصيفهما، فعندما ندعو إلى قبول الآخر يعني أن نقبله كما هو وليس بعد تعديله وتحويله إلى نسخة طبق الأصل عن ذواتنا، نعم هناك أرضية واسعة وحيز واسع للتعامل معاً بما فيه خير مجتمعنا وبلدنا ووطننا.

ليـون زكـي

Share This