حول الإبادة الأرمنية

توفر القناة الناطقة بالفرنسية” آرت” أشرطة وثائقية جيدة. تتيح للمشاهد أن يهرب إليها من القنوات اللبنانية ومن” النفايات” الأميركية المصدر التي تعرضها قنوات عدة عرضت القناة ليل ٢٠ الماضي وثائقياً تناول ما ارتكبته الحكومة العثمانية عام ١٩١٥، ممثلة بالضباط الثلاثة طلعت وجمال وأنور باشا، من تنظيف إثني طاول أرمن تركيا، وتحوّل إلى إبادة جماعية لذلك الشعب .

إستند الوثائقي إلى نصوص آتبها من عاشوا تلك التجربة من قناصل وسفراء ومشرفين على مؤسسات إجتماعية وتربوية من الأجانب. إستعاد ما قالوه على لسان ممثلين محترفين. لم يعطِ أرقاماً لأعداد الضحايا، ولم يوفّر عرضاً شاملاً للتجربة. لكنه شكّل صدمة لمن تابعه.

أظهر الوثائقي أن تجربة التنظيف الإثني تلك، ما كان ممكناً لها أن تحصل لو لم يعوّل الثلاثي المذكور على دعم إلماني غير محدود. إمتنع الإلمان عن مجرّد الإستفهام من حلفائهم العثمانيين بشأن ما كان يحصل عندهم .

لم يضع الوثائقي تجربة تهجير الأرمن ضمن إطار عمليات التنظيف الإثني التي عرفتها الإمبراطورية، خصوصاً في جزئها الأوروبي، والتي استمرت طوال القرن التاسع عشر ولم تنته إلا عام ١٩٢٣.  وقد طاول عدد منها الأتراك الموجودين في البلقان، ومنها التي حصلت عام ١٩١٢ إكتسبت التجربة السياسية التركية منذ ١٩٢٣ كثيراً من الصدقية. تعاطف معها باحثون كثيرون، خصوصاً منذ أدخل عصمت أينونو خليفة مصطفى كمال، نظام التعددية الحزبية أواخر الأربعينات.

بدت التجربة الممتدة من عشرينات القرن العشرين وحتى اليوم، نموذجاً في التنمية والتحديث السياسيين، وذلك لجهة توسيع نطاق المشارآة السياسية وتداول السلطة. إعتبرت الإنقلابات التي كان يقوم بها الجيش ليمنع الحرب الأهلية ويعيد صوغ النظام السياسي ويعاقب المتورطين في مشاريع الفتنة، شأناً إيجابياً.

أظهر الوثائقي أن ترآيا الحديثة إحتفلت رسمياً باستعادة رفات طلعت باشا الذي آان قد اغتاله ناشط أرمني في إلمانيا. وأظهر أسماء شوارع ومرافق عامة تسمّت بأسماء مسؤولي الإبادة الثلاثة. يتساءل المرء لماذا يصر الإتراك على تحمّل تبعات تجربة آانت فاشلة في آل شيء، هي تجربة “تركيا الفتاة” وضباطها. يتحمّس الأتراك راهناً للإنفتاح على محيطهم. وهم معرّضون للتشكيك بهم، طالما لم يراجعوا بعض مواقفهم في شأن تاريخهم .

بقلم البر داغر

استاذ جامعي

النهار” – الثلاثاء ١٠ أيار ٢٠١١

Share This