تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأوضاع في سوريا

اعتبرت تركيا انه لا يزال بامكان سوريا حل الازمة الخطيرة التي تمر بها سلميا اذا ما اطلقت اصلاحات عميقة وواسعة النطاق، محذرة مع ذلك من ان الوقت يضيق أمام الحل السلمي والعواقب قد تكون سلبية جداً. ووجه وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو هذا النداء، وقال في مقابلة مع تلفزيون “ان تي في” “لا تزال هناك فرصة لعملية انتقالية سلمية ومستقرة في سوريا اذا ما اطلقت اصلاحات عميقة وواسعة النطاق وفقا لوتيرة وحجم ينشدهما الشعب”. لكنه اضاف “الوقت يضيق.. اذا استمروا في الطريقة التي تكمن في استدعاء قوات الأمن لقمع الاحتجاجات من دون إدخال إصلاحات ملموسة فقد تحصل عواقب سلبية جدا ستحزننا جميعا”.

ومن جهة أخرى تطرقت فاتنة ناصر الى لقاء قناة الدنيا مع الاعلامي غسان بن جدو في صوت الوطن من خلال مقالة بعنوان “من غسان بن جدّو والقوقعة الى الموقف التركي من سوريا”، وكتبت عن “جزئية بن جدّو عن العلاقة التركية السورية ” بأن دمشق هي المدخل الوحيد لتركيا على المنطقة العربية، وتركيا تلعب دورا عجزت عنه الدول العربية لعلاج الأزمة السورية” قررت محاولة تقييم الموقف التركي من سوريا، وكيف تبدّل من ناصح للنظام الى باحث عن بديل النّظام، فالقيادات التركية لا مانع لديها من التعامل مع البديل حتى ولو كان الاخوان المسلمين، شرط الالتزام بالدمقرطة، فيقول اردوغان ” لم نسمح بتكرار حماة ثانية، في اشارة الى احداث 1982 بين النظام والاخوان، ملوّحا ناضمامه الى اي اجراءات من قبل المجتمع الدولي بحق الاسد”.

قبل عام، وقّعت سوريا وتركيا على اتفاقية الغاء التأشيرات والرسوم الجمركية على البضائع المتبادلة، و التحليلات السياسية تفائلت بمستقبل ثنائي تعود جذوره للعلاقات التاريخية بين البلدين، ونتفاجأ اليوم بأن صحفا سورية مثل صحيفة الوطن، تشن هجوما على تركيا وتصفها ب(ذات الخطاب والوعظ الاستعلائي، الباحث عن التموضع بين العرب)، وتصف وزير خارجيتها التركي، احمد داوود أوغلو ب (مهندس العثمانية الجديدة)، وأن النموذج التركي يمر في أحد أكثر الامتحانات التي ربما سيتوقف على نتيجتها مصيره! فما الذي حصل ؟؟
مضيفة أن كأن تركيا تمارس على سوريا، نفس ما يمارسه الاتحاد الاوروبي عليها، من اجل الانضمام، وهو المطالبة بالاصلاحات والديمقراطية، وهذا لا تستطيع سوريا ابتلاعه وهضمه، في ظل مواعظ اردوغان لها من اكثر من منبر، وخاصة طلبه من الاسد تقبّل المعارضة، وتزامن هذا مع اتخاذ رياض الشقفة عضو رابطة الاخوان المسلمين السوريين، من اسطنبول مكانا يطلّ علينا به، ويدعو النظام لاحتضان المعارضة، مع ان علاقة لم يسجّلها التاريخ بين الاخوان السوريين وتركيا!

“لن نفترض ان تركيا تدعم الاخوان وننشء تنبؤات سياسية ونبني عليها، ولكن ان ارادت دعوة سوريا للحوار معهم لحقن دماء التفرقة، فهي بالمقابل لم تحتضن حزب العمّال الكردستاني، الذي يعتبر حزبا للمعارضة ايضا، والحسابات واحدة في السياسة، دون مجاملات!”.

“فتركيا تملك الحق الكامل بالخشية على اراضيها التي أكثر من 800 كم، مرتبطة بسوريا التي قبلنا ام لم نقبل تعتبر منطقة متوتّرة الان، وليس من مصلحة تركيا ان تكون ملجأ لنحو مليوني كردي سوري على الحدود، … ولا ننسى اقتراب الحملة الانتخابية التركية في 12 -6 -2011 ،التي يسعى معارضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، الى فضح كل ما يدل على ان اردوغان مساند للانظمة الدكتاتورية، وبالنسبة بتركيا فان سوريا الان تدخل تحت قبعة هذه الصفة، وليس من مصلحتها الوقوف الى جانبها حتى لو كانت لها مصالح مع سوريا.

خطاب تركي مزودج يظهر جليا، فرغبة في استقرار سوري داخلي، وامنية بحلّ النظام … ووجهتا نظر لا ثالث لهما تجاه تركيا، فاما ان يكون خائنا في المنطقة العربية ومساندا للانظمة الدكتاتورية عالميا اذا وقف بجانب مصلحته بالسوق السورية، واما ان يتخلّى ويكون الصديق الوقح بالنسبة لسوريا !!والسياسية تحمل المفاجآت ، وصديقي اليوم عدوّ الغد”.

أما محمد نور الدين فكتبت في السفير تحت عنوان “العرب والأتراك: تفكيك الأساطير والشعوذات” من الدوحة حول مؤتمر “العرب والأتراك: تحديات الحاضر ورهانات المستقبل” الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة جاء في هذا السياق.
“فرئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة الذي نظم المؤتمر، برر ذلك بالقول إن على العرب أن يتحاوروا أولا بين أنفسهم قبل أن يباشروا الحوار مع تركيا. واعتبر بشارة أن الـ«نحن» العربية افتراضية غير موجودة، وعلى العرب ان يبرهنوا على وجودهم. وقال ان الدول العربية ليست منسجمة في علاقاتها مع الجميع، والأخطر هو تلك الهوة بين الأنظمة والرأي العام. وانتقد بشارة واقع العلاقات بين تركيا والعرب، قائلا إن هناك فيضانا من المقالات والتصريحات والشعر حول تركيا، داعيا إلى تفكيك الأساطير والشعوذات التي حكمت العلاقة مع أنقرة.

وتطرق بشارة إلى النموذج التركي، فقال إن همّ حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ليس القضية الفلسطينية، بل مصالح أنقرة والرأي العام التركي، وهنا الفارق بين تركيا والعالم العربي. في تركيا برامج واهتمام بالرأي العام، وهنا لا برامج ولا اعتبار للرأي العام.

واعتبر أن حزب العدالة والتنمية أتى في ظل وجود دولة قوية ومؤسسات، وهو قبل بدولة علمانية، وخلال سنوات سوف يصبح مثل الديموقراطيين المسيحيين. وقال إن ميزة تركيا أن هناك دولة وقضاء وجيش خارج الحزب الحاكم، وهو الأمر غير الموجود في العالم العربي، مضيفا انه إذا كان ما تستفيد منه الحركات الإسلامية في العالم العربي من التجربة التركية فهو مسألة تداول السلطة. وقال بشارة إن دراسة تركيا تعلّم العرب الكثير عن أنفسهم أكثر مما تعلمهم عن تركيا. وأضاف إن «العلاقات العربية التركية مفتاح في العلاقات الإقليمية تماما مثل العلاقات العربية الإيرانية الذي نظم المركز العربي قبل فترة قصيرة مؤتمرا مشابها عنها في إطار اهتمام المركز بالفضاء الإقليمي المحيط بالوطن العربي»، متوقعا بأن عودة العرب إلى استعادة دورهم سيعيد التوازن إلى اللعبة في المنطقة.

“وحفلت الأوراق بمراجعات بدت على جانب كبير من الحرية، ربما ساعد عليها «تحرر» العرب من «نموذج» أحيط بهالة، ومن حزب لم يكن كله أبيض (العدالة والتنمية)، وشابت مسيرته ومواقفه في الآونة الأخيرة من القضايا العربية ارتباكات رفعت علامات استفهام وشكوك، وأخرجته من هالة واهمة. لذا على سبيل المثال لم يقدّم احد من باحثي محور المياه أي جديد في ما يتعلق بالموقف التركي المعارض، في زمن حزب العدالة والتنمية، لأي مرونة عما كانت عليه مواقف من سبقوه من أحزاب.

وبدت المصالح التركية واحدة من العلمانيين إلى الإسلاميين ومن الرئيس الراحل طورغوت اوزال والرئيس السابق سليمان ديميريل إلى اردوغان. وقد حذّر الباحثون من خطورة التراجع الرهيب الذي تعاني منه الزراعة في سوريا والعراق من جراء السدود التركية على الفرات ودجلة الذي يكاد يتحول اسم المنطقة من وادي الرافدين إلى وادي الساقيتين. وبدا واضحا في النقاشات التأثر «بتحولات» المواقف التركية، حيث ارتفعت من جديد أصوات «قومية» تعتبر أن النموذج التركي مثلا تفتيتي ولا يصلح بتاتا للدول العربية. وربط استفادة الحركات الإسلامية من النموذج التركي يكون بالابتعاد عن العنف واستخدام السلاح وهو ما لجأت إليه مجموعات إسلامية رئيسية في العقود القريبة الماضية.
ورأى البعض أن هناك مغالاة في اعتبار النموذج التركي رائدا في التصالح بين الدين والعلمانية، حيث أن تجارب علي عبد الرازق وطه حسين ومصطفى السباعي نحت هذا المنحى قبل وقت طويل وهناك الحاجة لإعادة قراءة الإرث الإسلامي الحديث.
وتمحورت أفكار المؤتمر على أن النموذج التركي، كما أي نموذج آخر، لا يمكن أن يكون قابلا للاستنساخ، وأن السياق التاريخي والثقافي لتجارب التحديث تختلف في تركيا عنها في الوطن العربي، وأن الحركة الإسلامية في تركيا جاءت في ظل وجود دولة حقيقية قائمة ومؤسسات متجذرة، وقبلت بما هو قائم من علمانية مع السعي لتلطيف العلمانية الموروثة في اتجاه المصالحة مع الهوية. وأن الحركة الإسلامية في تركيا تطورت في ظل وجود هامش كبير من الديموقراطية أتاح ظهور أحزاب ذات طابع إسلامي انخرطت في العملية السياسية البرلمانية والبلدية بما هي نزول إلى حاجات المواطنين والتعرف إلى همومهم ما أنتج نموذجا واقعيا خارج الإيديولوجيات المجانية.

كما تمحورت على أن نجاح الاستفادة من النموذج التركي يكون بالخروج من حالة الذرائع (الاستعمار وإسرائيل)، التي يمثلها «النموذج العربي»، إلى حالة البدائل العملية في تلبية مطالب المواطنين الدنيوية التي يمثلها النموذج التركي، وهي سبب تقدمه، وأن حزب العدالة والتنمية لا ينظر إلى الدولة إلا كجسر للعبور إلى الإرث التاريخي، العثماني الهوية، ولا يمكن للأتراك أن يتجاوزوا العرب لأنهم جزء من هذا الإرث. وقال في الختام أن انعقد المؤتمر في لحظة اضطراب عربي انسحبت على العلاقة مع تركيا، فكان تلمس آفاق المرحلة المقبلة أكثر صعوبة، لكنه بالتأكيد أكثر واقعية.

ومن المقالات اللافتة هذا الاسبوع مقالة بعنوان “تركيا والأزمة السورية” للكاتب السوري خورشيد دلي. حيث يبدأ المقال بشؤال: “أين تقف تركيا من ما يجري في سوريا؟ سؤال يطرح نفسه بقوة من قبل النظام والمعارضة معا، بل والداخل التركي نفسه، ولعل مرد ذلك هو السلوك التركي من الأزمة السورية، وهو سلوك يزاوج أو يظهر خطابين معا، الأول: هو الحرص الشديد على الإصلاح من خلال النظام والحفاظ على استقرار سوريا. والثاني: يأخذ منحى التصعيد بعد النصح، فضلا عن احتضان المعارضة السورية وتحديدا حركة الإخوان المسلمين. خطاب يظهر أن ثمة ثابتا وأخر متحولا في الموقف التركي من الأزمة السورية، ويبدو أن الثابت والمتحول هنا مرتبطان بطريقة تعاطي النظام السوري مع الأزمة وسرعة إنجاز الإصلاحات المنشودة ونوعيتها”.

أما عن انقلاب الصورة فيقول:” في أصل الصورة أن العلاقات السورية التركية وصلت قبل بدء الاحتجاجات في سوريا إلى مستوى القمة، إذ وقع الجانبان خلال الفترة الماضية على عشرات الاتفاقيات وتم فتح الحدود وإلغاء تأشيرات المرور، وباتت البضائع التركية تزاحم السورية في أسواق حلب ودمشق والقامشلي، ومارس الجانبان سياسة مشتركة هدفت إلى منع إقامة كيان كردي في المنطقة، وارتبط الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بعلاقة خاصة قوية ترجمت بعشرات الزيارات العائلية بينها.
إلا أنه منذ بدء الاحتجاجات بدأت هذه الصورة تنزاح من مشهد العلاقة تدريجيا ليحل محلها الشك والحذر. فبالنسبة للسوريين ثمة حالة من الحيرة والارتياب إلى درجة القلق من السلوك التركي خاصة بعد ظهور المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة في إسطنبول ويدعو من هناك المحتجين في سوريا إلى التظاهر ضد النظام. إذ يقول مسؤول سوري (لم يكن متوقعا أن يتحول الصديق التركي المدلل إلى هذه الدرجة من الوقاحة، هذا الصديق الذي كان حتى وقت قريب أحد مناصري قضايانا الوطنية والقومية، موقع كلنا شركاء).

في المقابل، فإن تركيا حزب العدالة والتنمية والتي لها تجربة إصلاحية مميزة ترى أن أداء النظام السوري في التعامل مع الاحتجاجات لا يمكن أن يكون هكذا، كما لا يمكن إدارة الأمور بهذا الشكل، كما أن مجمل الخطاب التركي يبدي عدم الرضا عن وتيرة الإصلاحات التي شرعت بها القيادة السورية، إلى جانب هذا النصح (الأبوي والأخوي والمدرسي) المتواصل ثمة تهديدات مبطنة أطلقها أردوغان مرارا، ولسان حاله هنا يقول: لن نسمح بتكرار (حماة ثانية) في إشارة إلى أحداث حماة عام 1982 بين النظام السوري والإخوان المسلمين.

وكلما توغل النظام في الحل الأمني رفع أردوغان من درجة التهديد إلى حد أنه لوح علنا بالمشاركة في أية إجراءات قد يتخذها المجتمع الدولي لاحقا إذا تطورت الأمور.
بموازاة انقلاب الصورة، ثمة أزمة صامتة بين دمشق وأنقرة، فسوريا تبدي انزعاجا شديدا من الإلحاح التركي والمطالبة الدائمة بضرورة فعل كذا وكذا على شكل توصيات ملحة تقترب إلى حد تلقين التعليمات والأوامر، فيما أساس المشكلة بالنسبة للجانب السوري يعود إلى رفض النظام التفاوض مع حركة الإخوان المسلمين كما تطلب أنقرة، وترى دمشق أن ذلك خط أحمر كما هو حال حزب العمال الكردستاني بالنسبة لتركيا، معادلة تزيد من الشكوك المتبادلة وربما العودة إلى مرحلة ما قبل التحسن الكبير في العلاقات بين البلدين”. وحول الدور التركي ومحدداته يكتب: “ترى تركيا أن تجربتها الإصلاحية تجربة رائدة تصلح لتحقيق التغييرات الديمقراطية في عموم المنطقة ولا سيما في سوريا حيث دور وتأثير العوامل والعلاقات التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدين، وعليه تبدي تركيا اهتماما خاصا بالأزمة السورية خلافا للوضع في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهي تنطلق في ذلك من مسألتين أساسيتين:

الأولى: أن التغيير ينبغي ألا يؤدي إلى انهيار الاستقرار في سوريا، فقضية استقرار سوريا قضية حساسة بالنسبة لتركيا وأمنها القومي، حيث إن أكثر من ثمانمائة كليومتر من الحدود المشتركة، ووجود قرابة مليوني كردي سوري في المناطق الحدودية المجاورة لتركيا يشكلان أمرا قلقا لتركيا خاصة في ظل علاقة هؤلاء مع أبناء جلدتهم من أكراد تركيا والعراق والخوف التركي الدفين من قيام دولة كردية في المنطقة.

الثانية: أن تركيا أردوغان التي ترفع راية الإصلاح والديمقراطية وأيدت بقوة ثورات تونس ومصر ولاحقا ليبيا لا تستطيع أن تتخذ موقفا مغايرا في الحالة السورية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التركية المقررة في الثاني عشر من شهر يونيو/حزيران المقبل حيث الرأي العام التركي الداعم للتغيير في العالم العربي”.

أما عن الدبلوماسية المكثفة تجاه دمشق التي مارستها تركيا فقد تجلت في:

1- مبادرة أردوغان إلى إجراء سلسلة اتصالات مع القيادة السورية بشأن الإصلاح والتغيير وكيفية التصرف مع الاحتجاجات الجارية والتحذير المتواصل من تكرار ما جرى في حماة وحمص.
2-إرسال مبعوثين سياسيين وأمنيين وإداريين إلى دمشق، بينهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو ورئيس الاستخبارات العامة حقان فيدان، وتقديم هؤلاء لما يشبه خريطة طريق للإصلاح في سوريا.

3- سلسلة تصريحات سياسية وإعلامية تأخذ طابع التحذير من التوغل في الحل الأمني والتهديد بعواقب وإجراءات وسط حملة مكثفة بهذا الخصوص في الصحافة التركية والتي كثيرا ما تقارن بين ما يجري في ليبيا وما يجري في سوريا.

4- استضافة اجتماع لبعض قوى المعارضة السورية وظهور أحمد الشقفة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السوريين في أكثر من إطلالة في إسطنبول يدعو إلى التظاهر في إشارة إلى أن تركيا معنية بالتغيير ومحتضنة للقوى الداعية له”.

وحول مسار العلاقة قال: “من الواضح، أن أولويات الجانبين باتت مختلفة، فبعد أن وصلت الأمور في سوريا إلى نقطة حرجة تقف فيها البلاد عند مفترق الطرق باتت أولوية النظام هي الأمن وبأي ثمن كان، فيما يرى الجانب التركي أن الأولوية باتت للتغيير السياسي والانتقال إلى مرحلة جديدة، وأن تحقيق الأمن والاستقرار لم يعد ممكنا بالأدوات الأمنية. وأصل المشكلة هنا، هو أن ثمة اختلافا بين رؤية الجانبين لما يحدث، فالنظام السوري يضع الأمر في خانة المؤامرة فيما تركيا ترى أن لا مؤامرة.

النظام السوري يرى أن ثمة فتنة طائفية ومذهبية تستهدفه فيما تنفي تركيا هذا الأمر وتضع القضية برمتها في خانة الإصلاح والتغيير الديمقراطي. النظام يقول إنه شرع في إصلاحات مدروسة وشكل لجانا لهذه الغاية فيما ترى تركيا أن الإصلاحات التي أعلنت عنها حتى الآن غير ملبية للتطلعات والانتقال إلى الديمقراطية، وتقول المصادر التركية إن المبعوثين الأتراك حملوا معهم جملة من المطالب تتخلص فيما يلي:

1- الامتناع عن الاستخدام المفرط للقوة تجاه التحركات الشعبية.

2-الاستمرار بخطوات الإصلاح بوتيرة أكبر وإتمامها في أسرع وقت.

3-إعادة تأسيس الحياة السياسية والسلم الاجتماعي.

النظام السوري الذي يعتز بمواقفه الوطنية والقومية وقدراته الدبلوماسية في إدارة الملفات الإقليمية يرى صعوبة كبيرة في هضم (الدروس التركية) التي تحدد مجالات الإصلاح وما الذي ينبغي فعله والأهم ما تريده أنقرة وما يمكن ان تفعله في المرحلة المقبلة إذا تطورت الأمور بعد سنوات من الوئام.

في الواقع، يمكن القول إن النظام السوري لم يكن يتوقع أن الصديق والحليف التركي سيكون بهذا الموقف وأن الرياح ستهب عليه من الباب التركي بعد أن وصلت العلاقات بين الجانبين إلى مستوى القمة ولا سيما فيما يتعلق بملف حزب العمال الكردستاني والتعاون المشترك ضده. في المقابل، فإن تركيا في تعاملها مع الأزمة السورية تتبع إستراتيجية مزدوجة، فهي من جهة تقوم باحتواء المعارضة السورية (جماعة الإخوان المسلمين) التي تشكل خطا أحمر للنظام دون أن تعلن أنقرة صراحة تبنيها للجماعة سياسيا، ومن جهة ثانية لا تتوانى عن الإلحاح في المطالبة بالإصلاح والتغيير”.

وفي الختام قال: “وفي الاختيار بين المسألتين من الواضح أن أنقرة تفضل حتى الآن الإصلاح نظرا لما في ذلك من مصلحة تركية مباشرة، من الأمن والاستقرار مرورا بالمصالح الاقتصادية وصولا إلى بناء نموذج سياسي في المنطقة العربية. ولكن مشكلة تركيا هنا، هي أنها تصطدم بالتعامل السوري مع الأزمة، سواء لبطء وتيرة الإصلاحات ونوعيتها أو للتوغل في الأسلوب الأمني، وهو ما يرشح العلاقة بين الجانبين إلى المزيد من التوتر في المرحلة المقبلة قياسا للتحول التدريجي في الموقف التركي منذ الأزمة السورية التي تتفاقم بدورها يوما بعد أخر.

ولنرى صحيفة الوطن السورية التي صعدت لهجتها مؤخراً، وكتبت رسالة تحت عنوان “إلى القيادة التركية” بقلم هيثم يحيى محمد ما يلي:” لأن الشعب السوري يدرك جيداً حجم المؤامرات.. والضغوط (المستمرة) التي تُمارس على وطنه منذ حرب تشرين التحريرية وحتى الآن.. لم يفاجأ أبداً بما قامت وتقوم به الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول الغربية.. والعربية.. ووسائل إعلامها من ضغوط.. واتهامات.. وفبركات.. وأكاذيب.. وعقوبات بحقه وحق بلده وحق قيادته.. لكن هذا الشعب المعروف لكل العالم بمحبته ووفائه لكل من وقف ويقف إلى جانبه وجانب وطنه فوجئ كثيراً بما قامت وتقوم به دول كانت تعد صديقة وأدواتها (الإعلامية- المالية….) بحق بلده.. من تآمر.. وتحريض على الفتنة.. وفبركة وتصنيع أحداث في الوقت الذي كان يعتبرها لأسباب عديدة الدولة الشقيقة والصادقة والداعمة له وللمقاومة.. كما فوجئ مفاجأة كبيرة بموقف قيادة دولة جارة (تركيا) كان يُطلق عليها الصديقة و(الشقيقة).. ويتحدث عنها بإيجابية غير مسبوقة.. ويقصدها صيفاً وشتاءً.. ربيعاً وخريفاً للتسوق والسياحة.. بعد أن ارتقت العلاقة معها إلى مستوى عال وصل إلى درجة اعتبرها كل العالم نموذجاً يحتذى بين الدول الساعية إلى تحقيق مصالح شعوبها بشكل خاص وشعوب العالم والسلام العادل بشكل عام!

وإذا وضعنا موقف الدول الصديقة (المؤلم) جانباً الآن من حقنا كسوريين أن نسأل القيادة التركية ممثلة بالسيدين الرئيس عبد اللـه غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لماذا هذا الموقف المتحول.. المنقلب.. الذي لا يخدم سورية وشعبها ولا يخدم بلدكم لا حاضراً ولا مستقبلاً؟ هل لديكم أية مبررات أخلاقية أو دينية أو قانونية للتصريحات التي صدرت عنكم في وقت تدركون فيه جيداً أن الشعب السوري بأغلبيته العظمى مع قائده بشار الأسد وإلى جانبه وخلفه لتحقيق الإصلاحات التي قررها وباشر فيها؟

ثم من أين يحق لكم هذا التدخل (غير المقبول) في الشأن الداخلي السوري بالشكل الذي يظهر في الإعلام لنا ولغيرنا؟ وأيضاً من حقنا كسوريين أن نقول للقيادة التركية التي دخلت بعلاقة إستراتيجية مع دولتنا أكثر من أي دولة إقليمية أخرى.. لقد بدأتم بهذه العلاقة وعملتم على تطويرها يوماً بعد يوم مع رئيسنا بشار الأسد وأنتم على علم كامل بتفاصيل (نظامنا) بجوانبه المختلفة (السياسية- الإعلامية- الاقتصادية- الزراعية- الشعبية- الأمنية… الخ) ولم نسمع منكم طيلة السنوات السابقة إلا الثناء.. والمديح لهذا النظام ورئيسه.. والمطالبة بالمزيد من الارتقاء بهذه العلاقات معه. وأرشيفكم الرسمي والإعلامي إضافة لأرشيفنا يؤكد ذلك!! لماذا لم تستمروا في ثنائكم ومدحكم وموقفكم هذا في وقت قرر فيه رئيسنا قيادة إصلاحات شاملة لمصلحتنا (كسوريين) استجابة لحاجتنا ومطالبنا وباشرنا بتنفيذها وفق برامج زمنية محددة ومعلنة.. وفي وقت تبين لكم وللعالم ما يحصل في سورية من أحداث أبعد ما تكون عن الثورة الشعبية التي يدعي الغرب الوقوف إلى جانبها.. إنما عبارة عن تجمعات قليلة في بعض المدن استغلتها مجموعات إرهابية مسلحة تخرّب وتحرق وتقتل وتروّع.. ضمن إطار تنفيذ أجندات خارجية تهدف إلى ضرب وحدة سورية وتفتيتها لأسباب تعرفونها كما نعرفها جيداً؟!

وينهي الرسالة بما يلي: “في ضوء ما تقدم وغيره الكثير.. الكثير نتمنى عليكم إعادة النظر بتصريحاتكم ومواقفكم.. والعودة إلى ضمائركم.. وإلى مصالح بلدكم.. وشعوب منطقتنا ومنطقتكم.. وإلى عمقكم الإستراتيجي.. نعم عودوا إلى سورية وكونوا مع قيادتها في كل ما تقوم به وتفعله سواء بالنسبة للإصلاحات السياسية أو الإعلامية أو الاقتصادية.. أو بالنسبة للعمليات الأمنية بحق المجرمين الخارجين على القانون.. وتوقفوا عن تصريحاتكم الإعلامية (السلبية).. واستضافاتكم الجديدة (غير المريحة وغير الموضوعية).. وتقبلوا فائق محبتنا وتقديرنا.. وأمنياتنا بعلاقة مميزة تخدمنا وتخدمكم حاضراً ومستقبلاً”.

أما صحيفة النشرة فاقتبست مقال تحت عنوان “تقسيم سوريا… هاجس أردوغان… والأسد!”، بقلم طوني عيسى عن “الجمهورية” الذي طرح سؤالاً هاماً :”هل تكون سوريا أنموذجا مصريا- تونسيا في التغيير، أم أنموذجا ليبيا؟ أم يصمد نظام الرئيس بشار الاسد كنموذج البحرين، حاليّا على الأقل؟ ” فأجاب :”توحي بعض المعطيات بأن هناك أنموذجا رابعا، ربما ينطبق على سوريا وهو الأشد إثارة للهواجس الإقليمية: الفوضى. ليس موقع النظام السوري شبيها بموقع اي نظام آخر في المنطقة، فغالبية الانظمة العربية تقتصر تداعيات تغييرها على الدول التي تحكمها، الا النظام في دمشق. ما يعني أنّ التغيير فيه يعني تغييرا استراتيجيا لكامل المعادلة الشرق اوسطية. وواضح ان القوى الدولية التي اندفعت في حماس لدعم التغيير في المجتمعات العربية، بدءا بمصر وتونس وليبيا، خففت من درجة حماسها على ابواب النظام في سوريا، للتأنّي. وبدت اكثر حرصا على تغيير “في النظام” اذا أمكن ذلك، وليس “للنظام”. لكن أحدا لا يستطيع ضبط الحدود بين هذين المفهومين للتغيير. وكلاهما سيؤديان الى ولادة حكم جديد في سوريا.

فالأسلوب الديمقراطي يعني “حكم الاكثرية”. وقد لا يضمن بالضرورة عودة الرئيس الاسد الى الحكم في اول انتخابات مقبلة. ولذلك يعني التغيير “في النظام” عمليا، تغيير النظام. ومن هنا تريّث الاسد في اقرار الخطوات الاصلاحية المطلوبة، وفي طليعتها التخَلّي عن حال الطوارىء، لأن تسريع الخطوات يؤدي ايضا الى تهديد النظام. وحول “ثغرات” الاستراتيجية الإقليمية التي جرى منحها في الاسابيع الاخيرة، ولها تأثيرها العميق في الملف السوري الداخلي يقول: “دخول العامل التركي الى حدود بالغة الخطورة، فأنقرة “حزب العدالة والتنمية” غسلت في ايار العام الفائت، صورتها كحليف استراتيجي لإسرائيل، من خلال قيادتها اسطول الحرية، في معركة الدفاع عن الفلسطينيين المحاصرين في غزة. وهي بذلك تجاوزت “انظمة الممانعة” العربية. وبعد ذلك، ظهر “الحنين” العربي الاسلامي في درجات متفاوتة، الى “العصر العثماني” الذي يظهر قادة تركيا الحاليين. ويتجلّى خصوصا في الدخول على خط الدول العربية المجاورة، كالعراق وسوريا ولبنان، ويفرض هذا الانخراط التركي تداعيات سياسية مهمة.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الخارج من محاولة اغتيال تعرّض لها مطلع هذا الشهر، وجّه رسائل الى الاسد. فهو على الاثر استضاف أنشطة سياسية واعلامية لتنظيم “الإخوان المسلمين” المحظور في سوريا. ومعلوم ان هناك تقاربا في العقيدة بين هؤلاء وحزب اردوغان. ووجه المسؤول التركي دعوات، ثم تحذيرات الى الاسد، من مغبّة تجاهل الاصوات الداعية الى الاصلاح لو قَمعَ المعترضين”.

وتحت عنوان “سوريا: أمام تحدياتها/ ربيع العرب وخريف العلاقات التركيّة ــ السوريّة” كتبت أرنست خوري في الأخبار أن الموقف التركي من الحركة الشعبية السورية فاجأ السوريين وأهل المنطقة، أكثر من المواطنين والإعلاميين الأتراك، وذلك نظراً إلى ما يعرفونه عن خصوصية العلاقة التي جمعت سوريا بتركيا أولاً، ورجب طيب أردوغان بصديقه بشّار الأسد ثانياً . وأنه “لا شك في أنّ التغيُّر الذي طرأ على نوعية العلاقات التركية السورية قد كسر رقماً قياسياً من ناحيتين: سبق لتلك العلاقة أن انتقلت بسرعة من حافة الحرب في أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلى الغرام المتبادل في غضون فترة قصيرة نسبياً. لكن ما بدا كأنّه فترة قصيرة، صار مرحلة طويلة مقارنة مع سرعة تدهور العلاقة بين البلدين، وذلك من باب الأزمة السورية الداخلية. أزمة ارتأت أنقرة أن تتعامل معها من منطلق أنها شأن داخلي تركي، لتكون الاستحقاق الأخطر على الإطلاق على العلاقات التركية السورية، والتي تهدّد بإعادة تلك العلاقات، في حال بقاء نظام بشار الأسد، إلى المربّع الذي كانت عليه قبل «الصفقة الكبيرة» التي تمثّلت في طرد الرئيس الراحل حافظ الأسد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من الأراضي السورية، في شباط 1999”.

“ولم يكن انتشار المعاهد التي تعلّم اللغة التركيّة في حارات دمشق وباقي المناطق السورية، واحتلال المسلسلات التركية باللهجة السورية شاشات العرب، إلا علامات تنتهي بحديث الاقتصاد والمال والملايين والاستثمارات، حيث تجاوز التبادل التجاري بين سوريا وتركيا حاجز الملياري دولار سنوياً، بعدما كان أقل بكثير من هذا المبلغ قبل سنوات قليلة. تركيا العدالة والتنمية التي انتشلت سوريا من العزلة التي فُرضت عليها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، فاجأت الجميع عندما انحازت إلى صفّ المتظاهرين في وجه نظام أعز أصدقائها، بشار الأسد. فما الذي حصل لكي ترمي كل ما بنته على مدى تسع سنوات جانباً، وترفع شعار المتظاهرين السوريين؟ وهل فعلاً وقع الأتراك في حب الشعوب، وأعطوه الأولوية على حساب مصالحهم الاقتصادية والسياسية؟”.

ملحق “أزتاك” العربي

25 أيار 2011

Share This