الرسالة الرعوية للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا مطران الأرمن الكاثوليك في الإسكندرية بمناسية عيد الميلاد

إليكم نص الرسالة الرعوية للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا مطران الأرمن الكاثوليك، أسقف الإسكندرية وأوراشاليم والأردن للأرمن الكاثوليك، التي ألقاها بمناسبة عيد الميلاد المجيد في صلاة القداس بمقر الكنيسة.

 “المسيح، كلمة الله الأزلى، صار جسداً ووُلِد وسكن بيننا (يوحنا 14:1)، فلنفرح ونتهلّل ونسجد لسرّ الله العظيم (أفسس 32:5) الذى ظهر بيننا. هذا هو معنى الميلاد الذى نحتفل به اليوم. وهذا هو سبب فرحنا فى هذا العيد “لأنه قد وُلِدَ لنا ولدٌ وأُعطى لنا ابنٌ فصارتِ الرئاسةُ على كتِفِه، ودُعى اسمُه عجيباً مُشيراً إلهاً جبّاراً، أبا الأبدِ، رئيس السلام لنمو الرئاسة لسلام لا انقضاء لهَ، على عرش داوُدَ ومملكتِه لٍيُقِرَّها ويُوَطِّدَها بالحقِّ والبِرّ من الآن وإلى الأبد” (أشعيا 5:9-6).

 حياتنا الأرضية بكل فقرها وضعفها وبالإمكانات والنِعَم والمواهب الإلهية التى وضعها الله فينا، يجب أن تكون بداية حياةٍ أبدية.

بقوةِ هذا الإيمان بالله، وفى ضوءِ نِعمة الميلاد، نتأمل فى سرّ أرضنا التى لم تصل بعد إلى رؤية الله، ولا إلى تحقيق المحبة والسلام فيها. بقوةِ الميلاد، وبقوةِ روح الله وصلاحه الذى وضعهما فى قلب وضمير كل إنسان،

نؤمِن أننا قادرون على صنع السلام والعيش بموجب متطلباته. وهذا يتطلّب منّا تسامياً يسمو بنا فوق حدود ذاتنا فنتجاوزها، فنصبح قادرين على أن ننظر إلى الآخر كما ينظر الله إليه، ونقبل الآخر كما يقبله الله، حتى ندرك ونحقّق العدل والحق لنا ولغيرنا.

شمولية الميلاد

في يوم ميلاد السيّد المسيح، لابد لنا أن نفهم رسالة هذه الأرض الشمولية، حيث تظهر لنا إرادة الله فى هذه الأرض من خلال الكتب المقدّسة، ومن خلال التاريخ، إذ هو نفسه الموحىَ به فى الكتب المقدّسة لأنه هو سيد التاريخ. وقد جمعنا هنا عبر العصور مسيحيين ومسلمين لنُكوِّن شعباً واحداً نقبل هذه الدعوة الشمولية ونصبح قادرين على صنع وبناء السلام فى كل مكان وزمان بمشيئة الله وعونه.

طوبى للساعين الى السلام، فإنهم أبناء الله يدعون (متى 5:9)؛

كلنا يعلم كيف يصنع السلام، والكل يعلم ماهو حق ومصير كل انسان يعيش على هذه الأرض الطيبة. السلام يعني ليس على الضعيف أن يستمر في الخضوع والعبودية تحت سلطة القوي، وفي تجريد نفسه من متطلبات الحباة ، بل على القوي الذي بيده كل شيء هو الذي يجب أن يعتني ويهتم بالضعيف والفقير.

تاريخ البشرية ملئي بالحروب، ولكنه ماليء أيضاً بالله ونعمه. والله محبة، وليس إلهاً ظالماً يفرضه بعض المؤمنين على غيرهم..

على القيادات الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية مسوؤلية، ولها دور كبير وفعال في توجيه المؤمنين وتثبيتهم في عبادة الله بالروح والحق والعدل. وتعلمهم طرق المغفرة والمسامحة والمصالحة والحوار والتعاون مع كل انسان ذو إرداة صالحة.

لاتخافوا

في عيد الميلاد، عيد ميلاد ملك السلام، كلنا لنا دور في بناء وتوطيد السلام رغم الصعوبات والعقبات. أقول لهم ماقاله الرب يسوع أجمعين: “لا تخافوا”، فلا يحق لنا خاصة للمسيحي أن يخاف، ولاأن يهرب من وجه الصعاب. فهذا يعني أن يحمل كل منا فوق همومه هموم الكل، هموم الوطن والعائلة والمجتماع، لنبني السلام.

هذه هي رسالتنا ودعوتنا:

أن نكون فى هذا الشرق الذى منه انبعث النور، نور العالم، أرض السيّد المسيح.

رسالتنا أن نُحافظ على مصر الكنانة التى زارتها العائلة المقدّسة حاملة إليها السلام بقداستها وبركتها.

رسالتنا ولو كانت صعبة هى تثبيت لحضورنا الذى يبقى شاهداً للرسالة الشمولية لهذه الأرض بسرّ الميلاد الإلهى العظيم، أرض الله ومهد الديانات السماويّة الثلاث.

رسالتنا هى أن يعلم الجميع أننا نعيش فى تاريخ الله الذى هو سيّده. نعيش فى تاريخ يصنعه الله ويدعونا إلى أن نصنعه معه. هو الذى كان والكائن والذى سيكون، هو “البداية والنهاية والألف والياء”، ولا أحد يمكن أن يغيب عنه، لا زمان ولا مكان يمكن أن يخلو منه. هو من لا يستطيع أن يتجاهله أحد. معه وأمامه وفى ظل عنايته ورحمته نعيش ونتحرّك ونعمل ونتوحّد.

بدون خوفٍ، وبإيمانٍ عميق وبثقةٍ كبيرةٍ بالله، نتابع طريقنا ورسالتنا ونحن أقوياء ممتلئين بالرجاء والأمل، وأحراراً من كل خوفٍ وتعب.

أيها الأخوة والأخوات الأحباء،

في هذا اليوم الأغر، وأمام مغارة الميلاد نرفع صلاتنا من أجل السلام فى العالم، وأيضاً من أجل المتألمين والمرضى والمشرّدين واللاجئين، من أجل شهدائنا الأبرار الذين سقطوا ليسقوا بدمائهم الذكية أرض الوطن ليطهّروه من الأعداء والإرهاب لينعم أبناؤه بالحرية والكرامة. نصلى من أجل حُكامِنا حتى يحققوا بالحكمة والفطنة العدالة والأمن والاستقرار والسلام لبلادنا.

أتمنّى لكم ميلاداً مجيداً مليئاً بالقداسة والمحبة، وسنة جديدة مباركة ملؤها الخير والبركة والسلام.

ومع الملائكة ننشد ونسبّح الله قائلين: “المجد لله فى العُلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة” (لوقا 14:2).

المسيح ولد فمجدونه..هللوليا هللوليا”.

Share This