خوجالي: لحظة الحقيقة

لما كانت العمليات العسكرية بين كاراباخ الجبلية وأذربيجان متواصلة، فإنّ العديد من الدّول والمنظّمات عرضت وساطتها من أجل تسوية النّزاع، والعمل قبل كل شيء على إحلال الهدنة. وبدت إيران بشكل خاصّ نشطة في هذا المجال، كما أبدت منظّمة الأمن والتعاون الأوروبية وروسيا اهتماماً جاداً بالموضوع.

في 25 شباط 1992، أطلقت يريفان مبادرة سياسية، توجه بموجبها الرئيس تر-بتروسيان إلى رؤساء 14 دولة طالباً إليهم أن يحولوا دون تفاقم الوضع، الذي قد يؤدّي حتماً إلى حرب واسعة النّطاق. “يتعين على رؤساء الدّول والمنظّمات الدولية أن يردعوا أذربيجان من خلال شجبهم الصّارم نشر الروح العسكرية في بلادها، وشجب كل عمل من شأنه أن يقلب ميزان القوى النسبيّ في المنطقة… كما يتعين عليهم أن يحثّوا زعماء روسيا ورابطة الدول المستقلة لمنع أذربيجان بكل الوسائل الممكنة من الحصول على أسلحة من رابطة الدول المستقلة واستخدامها”. وألحّ الزعيم الأرمني على “أننا ننظر إلى مسألة كاراباخ الجبلية باعتبارها نزاعاً سياسياً داخلياً يمكن حله فقط عبر مفاوضات تجري بين الحكومة الآذرية والزعامة المنتخبة حديثاً في كاراباخ الجبلية، مع الأخذ في الاعتبار أن أرمينيا ليست لها أطماع في أراضي أذربيجان”.
وحثّ ديربدروسيان رابطة الدول المستقلة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والأمم المتّحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الأخرى المعنية بإقامة سلام دائم في المنطقة على تسريع الخطوات الآيلة إلى إيجاد آلية فعّالة للوساطة بشأن نزاع كاراباخ الجبلية، قد يكون في وسعها أن تؤدي إلى وضع خطة سلام شامل، تدعمها كل الأطراف المعنية. وشدّد الزعيم الأرمني على أن “تستمر تركيا في الحفاظ على حيادها وتسعى إلى تغيير موقف أذربيجان العدائي تجاه أرمينيا، وذلك باستخدام مساعيها الحميدة مع الحكومة الآذرية والقوى السياسية”. وبالمقابل “سوف تستخدم أرمينيا ما لها من تأثير على كاراباخ الجبلية لإقناع زعمائها بوقف العمليات العسكرية من جانب واحد ولمدة 24 ساعة، يسري مفعوله انطلاقاً من اللحظة التي تتحمل الحكومة الآذرية مسؤولية وقف العمليات العسكرية في المنطقة وللفترة نفسها من الوقت”.

وقال في حينه المراسل الأرمني الخاصّ دافيد شاه نظاريان ان الغرب أولاً، والولايات المتّحدة خصوصاً، لم يبديا اهتماماً جاداً بموضوع الوساطة. “ان سياستهما اختلفت فيما مضى اختلافاً جوهرياً عن سياستهما الحالية، فهما لم يكونا على أهبة الاستعداد ولا أراد أن يقوما بأي دور مستقل أو فاعل، بل اقتصرت مهمتهما على النشاط داخل مجموعة مينسك. وكانت روسيا في حينه أشد نشاطاً رغم حجم منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وذلك من طريقين – عبر وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الخارجية”.

ومع ذلك، فإنّ الاجتماعات الأرمنية-الآذرية الرفيعة المستوى والمهمّات العديدة غير المباشرة والزيارات لم تحل دون تدارك المجازر بين الشعبين الجارين، بل كانت الأحداث الأكثر مأسوية، مهما بدا ذلك غريباً، تقع عادة في أثناء الوساطة الدولية الفاعلة. مثال أول على ذلك ما وقع في خوجالي، ومثال آخر ما جرى في ماراغا.

المصدر: خوجالي: لحظة الحقيقة، بقلم طاطول هاكوبيان، مقتطفات من كتاب طاطول هاكوبيان أخضر وأسود: يوميات ارتساخ، في شأن أحداث 25-26 شباط 1992 في خوجالي.

Share This