كتاب “تاريخ غيفوند”، المؤرخ الأرمني من القرن 8 ميلادي (5)

الفصل الثاني عشر

ورث السلطة بعده سليمان الذي (حكم) مدة سنتين و8 أشهر وتوفي وكانت أخلاقه كالتالي: جمع في السنة الثانية لحكمه قوات كبيرة وسلمها للقائد مسلم (61) وأرسله إلى أبواب قزوين. وصل هؤلاء وقاوموا جنود الروم المتواجدين في مدينة دربند وسددوا لهم ضربات ثم قاموا بملاحقتهم وهدم سور القلعة بعدئذ. وبينما كانوا يهدمون السور، وجدوا جداراً كبيراً في أساساته وحجراً دوِّنت عليه الكتابة التالية: “شيد الإمبراطور ماركيانوس المدينة وهذه الأبراج بإنفاق تالانتات كثيرة من كنوزه وسيقوم أبناء إسماعيل بهدمها وإعادة بنائها بكنوزهم”. وعندما عثروا على هذه الكتابة، توقف الإسماعيليون عن هدم السور وعينوا معلمين لإعادة بنائه.

سار مسلم بصحبة جيشه الجرار وعبر ممر جورا (باب الأبواب أو دربند-المترجم) واجتاح بلاد الروم وأقام معسكره قرب مدينة طاركو الرومية. وعندما رأى السكان العدو الكاسر، الذي جاء ضدهم، أعلموا ملك الخزر على وجه السرعة الذي كان يدعى الخاقان فهرع هذا وعسكر أمامه مصطحباً جيشه الكبير ومحاربيه العمالقة الذين عمت شهرة بسالتهم الكبيرة بين جميع الأمم. استمر الصراع بين الطرفين أياماً طويلة لا على مستوى القوات، بل في حلبة المصارعة. وكان الخاقان يتماهل في خوض الحرب منتظراً وصول ألب طارخان الذي دعاه إلى مساعدته. وعندما رأى مسلم جموع هؤلاء الهائلة، ارتبك وتردد في إيجاد حيلة للتخلص منهم. فأمر بإضرام المعسكر بنار قوية وترك جموع السرايا والخدم والخدامات خلفه واتجه نحو جبل القفقاس وفتح الطريق أمامه بتقطيع أشجار الغابات وبالكاد أفلح في التخلص من يد العدو. وبهذه المهانة قفل راجعاً من بلاد الروم مطأطأ الرأس. توفي سليمان بعد القيام بكل ذلك.

الفصل الثالث عشر

بعد ذلك، ورث عمر (62) الحكم وعاش سنتين و5 أشهر ثم توفي.

يتحدثون عن هذا أنه كان الأشرف بين أفراد بني قومه فقد أعاد الأسرى الذي أسرهم محمد في بلاد الأرمن بعد حرق أمراء بلادنا أحياء. وكان قد احتل قلاعاً عديدة جداً وأسر رجالاً ونساء عديدين. وعندما تعززت سلطة عمر، أعتق جميع الأسرى و(أرسل) كلاً إلى موطنه وعمم السلام في البلدان تحت حكمه. كتب عمر هذا رسالة إلى ليو (63) إمبراطور الروم كي يتعرف على طبيعة إيماننا. وكانت تحوي مسائل عديدة (64) أدونها بإيجاز كالتالي:

“باسم الله،

من عمر أمير المؤمنين إلى ليو إمبراطور الروم،

رغبنا مرات عديدة في معرفة رأيكم حول مبدأ إيمانكم وماذا تعتقدون، إلا أنه لم تتسنَّ لنا فرصة مناسبة للاطلاع عليه. لذلك، قل لي بشكل أكيد لماذا قال المسيح لتلاميذه: “جئتم عراة وستعودون عراة”؟ (65). أو لماذا لا تقبل بالذي قاله المسيح عن نفسه (وترغب) في فحص كتب الأنبياء ومزاميرهم كي تجد شهادات حول تجسّد المسيح بين دفتيها ووقعت في حيرة وترددت ولم تعتبر شهادة المسيح عن نفسه كافية بل آمنت بأقوال الأنبياء؟ لكن، يستحق المسيح الإيمان فقد كان قريباً من الله ويعرف نفسه جيداً مقارنة (بتلك) الكتب التي تغيّرت وشوِّهَت (66) من قبل أمم لا تعرفونهم. أو، لماذا تبررون تلك الكتب وتتبعون (أفكارها) التي تبدو لكم قريبة من الحقيقة؟ أنتم تقولون أن القوانين تم أسرها مرات عديدة وأضاعها بعض أبناء إسرائيل الذين يعرفونها ويقومون بقراءتها. كانت هناك أوقات، لم يكن لديهم أي شيء منها حتى أن بعض الأشخاص لاحقاً، حسب حكمتهم، قاموا بتدوينها أمة بعد أخرى وعرق بعد آخر. إلا أنهم كانوا من جسد ومن أبناء آدم ومن الممكن أن ينسوها أو يختلفوا حولها لأن الشيطان كان فيهم ويشبهونه بعدائهم. أو، لماذا لا تُذكر ملكوت السماوات وجهنم والدينونة والقيامة في شرائع موسى؟ لقد روى لكم حول ذلك هؤلاء الذين كتبوا الإنجيل بحذقهم: متى ومرقس ولوقا ويوحنا. وحول المعزّي، الذي قيل عنه في الإنجيل أنه سيرسل المسيح، ليس هو سوى محمدنا. أو، لماذا انقسمت الأمم المسيحية إلى 72 أمة بعد تلاميذ المسيح؟ إنكم تساوون بين قدرة الله، التي لا مثيل لها، مع ثلاثة آلهة وتحاولون تغيير جميع السنن مزاجياً باستبدال الطهور بالعماد والتضحية بمباركة الخبز والكأس بالمناولة وتعظيم الأحد عوضاً عن السبت. كيف يمكن للرب السكن في الرحم مع قاذورات الدم والجسد المختلفة؟ أو لماذا تعبدون عظام التلاميذ والأنبياء وشارة الصليب التي هي آلة (عقاب) للمدان حسب القانون كذلك الصور. يشهد النبي إشعيا حول مشرّعنا كرفيق للمسيح ومساوٍ له لأن النبي رآه في منامه كرفيق درب الواحد منهما راكباً حماراً والآخر جملاً. أما أنتم، فلماذا لا تؤمنون بذلك؟ أعلمني بكل ذلك كي أتمكن من فهم طبيعة عقيدتكم”.

كتب الأمير عمر الإسماعيلي أكثر من هذه الانتقادات إلى الملك ليو فاضطر الإمبراطور للرد عليه بالشكل التالي:

الفصل الرابع عشر

الإمبراطور ليو فلافيوس المؤمن بالرب يسوع المسيح إلهنا الحقيقي وملك المعترفين به،

إلى عمر، زعيم الساراكينوسيين،

بأية كلمات صادقة مستقيمة يمكن الرد على تلك (الرسالة) التي بعثتها إلينا وخاصة أننا تعلمنا من الله النصيحة للمعارضين بتواضع كي يتيح لهم فرصة للتوبة. لا يمكن طلب القوانين الملكية بكلمات منفّرة ورميها كالحجارة من قبل هؤلاء الذين يرغبون في معرفة الحقيقة الرائعة. ولكن، ورغم عدم احتواء بداية رسالتك على أقل قدر من الحقيقة، يتوجب علينا أيضاً إلا نقول أن عدم الصدق هو عادل لأنك تقول في رسالتك: “إننا كتبنا لكم مرات عديدة، أي لنا المسيحيين، حول السر الإلهي (67) ونرغب في معرفة ما تعتقدون حول مذهب إيمانكم”.

لم يكن ذلك ممكناً حدوثه وليس بوسع أي إمرئ إكراهنا على القيام بمثل تلك الأشياء لأننا لم نتعلم من معلمنا وربنا وضع علم لاهوتنا الوحيد أمام المتعلمين الغرباء كموضوع استهزاء وخاصة أمام أشخاص يجهلون نبوءات الأنبياء وبشارة التلاميذ. ومن عادتنا أن نوصي الآخرين بالشيء ذاته.

نعم، كتبنا لك مرات عديدة ونعيد الكتابة، إنْ كانت هناك حاجة، لكن حول الأمور الدنيوية فقط لا عن الموضوعات الإلهية انطلاقاً من الصوت الإلهي: “قدّموا رداً لكل شيء عندما تُسألون. وإنْ لم يسألكم أحد، فلا تردوا عليه”. لذلك، لا نرغب في معرفة صواب رأيكم أو عدمه لأن الله هو الذي (يعلمنا). وفي هذه المناسبة فقد نصحنا أيضاً: “دققوا في كل شيء واقبلوا ما هو خير”. إذن، عندنا مؤلفات تاريخية كتبت من قبل أساقفتنا المبجلين الذين عاشوا في أوقات كان مشرّعكم محمد موجوداً أيضاً. لذلك، ليس هناك ضرورة لتعذيبك بمثل هذه المسائل. لكن، لا تعتقد أننا نخجل من لاهوتنا الرائع. إسمع! فإن أعجبك الاستماع إلي، ستتمتع بخيرات الأرض كما قال النبي إشعيا. إنه من الصعوبة بمكان يا رجل نفي الكذب كاملاً عندما يفكر المعارض في المعارضة فقط. ويشبه ذلك عندما يقترب إثنان من النار ويسميها الواحد النار ويقول الآخر العكس إنها ينبوع ماء فيظهر كذب المعارض بجلاء.

تقول إن ربنا قال في الإنجيل: “جئتم عراة وتعودون عراة”. إننا لا نجد هذه الكلمات في أي مكان في أناجيل ربنا مع أنها تأمرنا بالتفكير حول الموت، بل تلك كلمات أيوب عندما تعرض هذا العادل إلى تجارب شيطانية وقال: “جئت عارياً من بطن أمي وساعود عارياً من هناك. أعطى الرب والرب أخذ ليكن اسم الرب مباركاً”. لكنكم فطرتم على الكذب باستخلاص مقاطع غير كاملة من شهادات الكتب المقدسة التي لم تقرأوها ولن تقرأوها. إن المتاجرين بالرب أو الإيمان عندكم يثرثرون حول ما يهمهم. ورغم أنك تتغطرس في استبدادك، إسمع ردودي.

قلت أنت أننا نجد أسراراً حول ربنا في مزامير داود وكتب الأنبياء. ليس جديداً الآن أننا لاحظنا أقوالاً تشبه الروح القدس قيلت من قبل الأنبياء. بدأت بشارة المسيحية بفضل الله وإرادته وعن طريقه بالذات تحققت وازدهرت وستزدهر أكثر بعظمة الخالق ذاته.

كتبتَ لي: “إنك اعتبرت كل ذلك كافياً وآمنت بها مهملاً ما شهد يسوع المسيح عن نفسه وكنت متردداً ومرتاباً”. ليتك تؤمن بالإنجيل، كما تقول أنت، كتاريخ ثابت ودون أغلاط عوضاً عن أي كتاب آخر. نحن لا نجد تضارباً بين القديم والجديد (العهدين) ولم يكن ممكناً أن أحد ينابيع الخير أي الآلوهية تفجّر الشر والخير والصدق والكذب. ولتسهيل تلقي كلمته على أمة اليهود الطاغية الجائرة، كان ينبّه هذا الشعب عبر أنبيائه كي لا يكفروا بمجيء المسيح حسب عادتهم. أفاد الرب حول شخصه في الأناجيل وما تحدث عنه (روحياً) لا جسدياً بأفواه الأنبياء لا يتعارض مع تجسّده في الأزمان اللاحقة وتكلم جهاراً. بفضل الله سنشير إلى كل شيء في حينه في هذه الرسالة.

ثانياً، كتبت في رسالتك: “كان المسيح يستحق الإيمان به وكان مقرباً من الله ويعرف عن نفسه بشكل أفضل مقارنة بالكتابات التي شوهدت من قبل أمم لا تعرفها وتغيرت”.

ردي هو: كان المسيح يستحق الإيمان به لا كإنسان خال عن الحكمة الإلهية فحسب، بل إنه كامل من الجهتين كرب وإنسان. أقوال الأنبياء عن الناحية ذاتها مؤكدة لا من حيث أن الناس تحدثوا عنها، بل لأن كلام الله جاء عن طريقهم روحانياً. جاءت هذه الأقوال العديدة في العهد القديم كذلك الجديد (من الإنجيل) لذلك لا تناقض بعضها.

أنت تقول أن الكتب (المقدسة) مشوهة. فإن علّمكم ذلك زعيم عقيدتك فإنه نسي (ذكر) ذلك. أما إنْ أشار شخص آخر إلى ذلك، فإنه كذب عليكم. لذلك، إسمع وفكّر جيداً. ألم يقل مشرّعك أنه يمكن برهان أي شيء من قبل شهود فقط مؤكداً على أن الشرع يأمر: “يجب إثبات كل شيء بفم شاهدين أو ثلاثة شهود”. وتعلمون أن إبراهيم قبِل بالبشارة حول المسيح قبل الجميع عندما قال له الله: “لتتبارك جميع أمم البسيطة عن طريق ولدك” وبهذا الأمل بارك إسحاق يعقوباً وبارك يعقوب بدوره ابنه يهوذا قائلاً: يهوذا! سيولد منك شخص يصبح أميراً ورئيسه، حتى ظهور الآتين، هو ما ينتظره الوثتيون” (68) لأن موسى شرّع عنه وقدم وصاياه إلى يشوع وداود وسليمان والأنبياء الإثني عشر صموئيل يغيا ويغيسيه ويسايي ويريميا ودانييل ويزيكيل وأيوب العادل وزكريا بن يوحنا المعمدان. كذلك، ضف على تلاميذ ربنا الإثني عشر السبعين والقديمين والجديدين وعددهم الإجمالي 111 شخصاً. إذن، ألا تتفق مع جميع هؤلاء القديسين وأحباء الله، الذين تحدثوا حول مجيء المسيح وشهد محمدك عليهم، أنهم قديسو الله وخدامه؟ إنك تحترم رسولك محمد أكثر من الله الذي تكلم معهم وظهر كلامه عبر الجسد. لذلك، أسألك باقتضاب: أرجوك قل لي أين الحقيقة، شهادة خدام الله الـ 111 أم (رأي) معارض يكذب معتبراً نفسه من الصادقين في كلامه؟ علمكم رسولكم محمد الاعتراف بهؤلاء القديسين، خدام الله ومحبيه، لكنه لا يقبل بما تكلم عنه الله عن طريقهم وعلّم الآخرين بعدم القبول بذلك.

سألتني: “كيف تبررون كتب اليهود وتقبلون (أفكارهم) التي تبدو مقنعة لكم رغم أنكم تقولون أن تلك السنن تم أسرها مرات عديدة جداً وضاعت؟ إن أبناء إسرائيل، الذين يقرأونها كانوا يعلمون بكنهها وكانت هناك أوقات لم يبق منها شيء عندهم حتى جاء بعضهم لاحقاً وكتبوا حول سلالة بعد أخرى وأمة بعد أخرى انطلاقاً من مفهومهم وإرادتهم. وكان جميع هؤلاء من جسد وأبناء آدم، الذين كانوا ينسون ولهم آراء مختلفة لأن الشيطان وأمثاله هم مقربون إليهم بعدائهم”.

الجواب: أستغرب وأستغرب ليس على كفركم فحسب، بل كيف لا تخجلون في إعلامنا تحريرياً على الأخص كي تكونوا موضع استهزاء أيضاً. أنتم تعتقدون أنه بوسعكم تضليلنا بكلماتنا وإنك بذكر هذه الكلمات في بداية رسالتك تعتقد وتحاول إقناعنا أنها تعود إليكم. لذلك، فإنْ كانت أقوالنا مقبولة عندكم، عليك أن تؤمن بها كاملة لأن لا أحد يشهد زوراً وذلك يعني القبول بقسم من هذه الشهادة ورفض الباقي. وبما أنك تجهل هذه الأشياء، إسمع وتعلّم. نقول نحن أن اليهود ليسوا هم الذين خلقوا هذه الأحاديث بأنفسهم في الغربة، بل علموا عنها من القصص المؤكدة للعبرانيين المؤمنين بالله كذلك عن طريق كتب أنبيائهم بالذات. كان عدد المخلوقات التي خلقها الله في الأيام الستة الأولى 22 وعدد الكتب الإلهية هي 22 أيضاً (69). كذلك، إن أحرف الهجاء عند العبرانيين كذلك عندنا هي بالعدد ذاته رغم وجود 5 أحرف مكررة ولم يتحقق ذلك دون وجود سر كبير. أعلم الله هذا الشيء وحققه عبر أنبيائه كي تظهر الحقائق الكامنة فيها. وتعتبر 5 من هذه الكتب الـ 22 كتب شرعية (الكتب الخمسية) التي يدعوها العبرانيون طورا والسريان أوراتا أما نحن فنوموس. تحوي هذه الكتب طبيعة اللاهوت وخلق العالم الإلهي ووصية عدم عبادة الأصنام وعهد إبراهيم حول ولده الذي هو المسيح وأوامر شتى مختلفة حول الدينونات والضحايا كي يهجروا العادات الوثنية التي كانت سائدة عندهم. تتحدث كتب يشوع والقضاة وهروت والملوك الأربعة حسب الأوقات حول خليقة الله وسلالات العادلين الحقة التي تنحدر وصولاً حتى المسيح (وتخبرنا) عن تاريخ ملوك إسرائيل ومَن منهم كان محبوباً عند الله ومَن لا وانقسام الشعب (اليهودي) إلى مملكتين: إسرائيل ويهوذا بسبب آثامهم وتاريخ أسرهم. أما مزامير داود وكتاب سليمان، التي تدعى كوهيغيت وشيراتشيريم (70) عند العبرانيين وندعوها نحن باريمون وسامادان، كذلك الأنبياء 12 وإشعيا ويريميا ودانييل وحزقيال وجميع هذه الكتب هي نبؤات حول مجيء المسيح. لذلك، فإن قام أي يهودي بإفسادها خطأً، لما بقيت تلك الكتب كاملة لأن الأشرار كانوا عندئذ سيخفضون عددها ويجمعونها في كتاب واحد أو إثنين ومن المحتمل في ثلاثة كتب. وكان بوسعهم إزالة الملحقات لأن الشطب سهل جداً بالنسبة لهم.

أعتقد أيضاً، أنك لا تجهل عن العداء الكامن بيننا نحن المسيحيين واليهود لمجرد أننا نعترف بالمسيح الذي بشّر من طرف الأنبياء كابن الله. أما اليهود، فإنهم لا يسمونه بالمسيح، بل يعتقدون أنه سياتي. لم يؤمنوا بكتب الأنبياء، لذلك لا يعترفون بالمسيح كابن الله. إذن، كيف حدث أن خلّف مفسدو الكتب مثل تلك الشهادات الثابتة التي لا يرقى إليها الريب في كتبهم أو قاموا بالإضافة إليها وخاصة أن تلك (الشهادات) لا تمتّ إلى أي شيء بصلة حتى وإنْ قام أحدهم بفرضها وخاصة على ابن الله المتجسّد.

إستلم جوابي الثالث. جرى أسر اليهود قبل مجيء المسيح متجسداً. إذن، كيف كان المعبد والكتب المقدسة ورجال الدين لا زالوا موجودين في عهده كما هو معروف من الكتب المقدسة وأنت بالذات استشهدت حول الرب والطهور وكل شيء قام به حسب الأناجيل؟ لم يحقق كل ذلك سوى لتأكيد أقواله عن طريق الأنبياء والإشارة إلى أنهم لا يخالفونه بل هم محبوبون وشهود ثابتون لسر كينونته الإنسانية. لم تكن كتب اليهود سوى كتب الأنبياء التي كانت موجودة حتى زمن مخلّصنا بعد أسر إسرائيل ويهوذا المضاعف. ويأتي الرب بشهادات عديدة في الأناجيل لتعليم اليهود غير المؤمنين. سيقت الأمة اليهودية إلى الأسر من قبل نبوخذنصر إلا أن العناية الإلهية لم تسمح لحدوث ما يجري مع الأسرى اليوم بل تم توطين الأمة بأجمعها في الأمكنة التي ترغب. وكانت الكتب بصحبتهم أيضاً وبعض الأنبياء كحزقيال الذي قال عن نفسه: “كنت في الأسر على ضفة نهر كوبار”. وقع حنانيا والأشراف الآخرون في الآتون وأصبح دانييل الكبير نبياً في بابل. وعندما وقع هناك في حفرة الأسود، جرت الأحداث مع يستير في المكان ذاته أيضاً. وبما أن كتباً كانت معهم، إسمع لروح القدس (حول ذلك) الذي يتحدث فيها حول أسر اليهود الذي لم يحدث بعدُ في المزمور من خلال النبي، إلا أنه ذكر الأحداث المستقبلية في المزمور دون اقتراف أي خطأ قائلاً: “كنا نجلس قرب أنهار بابل وننتحب عند ذكر صهيون (71) وكنا نعلّق أعوادنا على أشجار الصفصاف لأن مستعبدينا كانوا يطلبون منا العزف والغناء. أما الذين قاموا بسلبنا، فقد كانوا يطلبون منا كلمات مباركة”.

لكن عندما تقول: “إنها كتب كُتبت بحكمة الأطفال”، أعرف أنك ترغب في قدح (مسألة طبعة) عزرا الثانية. وكانت نعمة روح القدس قد حلّت عليه فكتب كل شيء دون أدنى هفوة. وعندما عاد الشعب (اليهودي) كله حيث كان منتشراً إلى القدس مصطحباً معه كتبه، ظهرت هنا أعمال الله الرائعة لأنه، عند (مقارنة) الكتب القديمة مع التاريخ الذي (حرره) عزرا، لم يُعثر على نقصان.

تقول: “كانوا بشراً وبالتالي كان بوسعهم أن ينسوا”. إن الناس ضعفاء في كل شيء دائماً وقليلي العقل وعرضة للنسيان, إلا أن الخالق أبدي وعظيم في بأسه ولا حدود لحكمته وليست لديه عاهة ريبة أو نسيان وتكلم مع الناس عبر الأنبياء: خدّامه. تكلم من خلال الأنبياء ولم يتركهم دون منحهم الحكمة الإنسانية. ألا تعتبر أنت رسولك محمد إنساناً وبكلماته تستخف بشهادات قديسي الله العديدين. أنت تقول: “إن الشيطان قريب من خدّام الله بينما الله لا أبداً”. لكن، الشخص المنطقي يعلم أن أي إنسان لا يعرف شهادات الكتب، يقترب منه الشيطان لا من الأشخاص المقدسين والمحبوبين من الله. يكفي هذا حول الكتب.

عندما تقول: “لا نجد في شرائع موسى عن ملكوت السماوات والآخرة والدينونة والإنبعاث” فإنك لا ترغب في أن تفهم أن الله يعلّم الناس بقدر ما بوسعهم استيعابه من العلم الإلهي. لم يتحدث الله مع الناس عن طريق نبي واحد أو مرة واحدة فقط، كما تعتقد أنت. لقد أوصى الله الجنس البشري بكل شيء عبر موسى. لا! ذلك ليس صحيحاً، لأن ما أوصى موسى لم يوصي به الذين كانوا قبل نوح. كذلك، ما أوصى موسى لم يوصي به إبراهيم أو ما أوصى يشوع لم يوصي به موسى وما أوصى شاؤول وداود وغيرهما من الأنبياء في زمانهم لم يوصي به ليشوع. وكما قلنا سابقاً، شاء الله تعريف طبيعته وإرادته للجنس البشري تدريجياً لأته ليس بوسع الناس إدراك عقيدته البديعة دفعة واحدة. لذلك، إنْ قال الله كل شيء عن طريق نبي واحد، فلماذا كان عليه إرسال أنبياء آخرين أيضاً أو سمح لهم بتشويه كل شيء كما تقول أنت ولماذا تحدث من خلال أفواههم؟ ورغم إرسال الله عقيدة بدائية فقط إلى البشر عبر موسى لا الأكمل، فإنه ذكر القيامة والدينونة وجهنم. يقول حول الإنبعاث: “أنظروا! أنا الله ولا إله غيري أقتل وأحيي وأضرب وأداوي ولا أحد يخلصكم مني”. أما عن الدينونة فيقول: “سأسنّ السيف كالبرق وأمدّ يميني للثأر”. كذلك، “سأطلب من أعدائي ثأر الدينونة. أما حول جهنم: “إن نار غضبي متأججة وستحرق حتى جهنم الداخلية”. لكن، قيل عن العقيدة الأكمل والأكثر تطوراً علناً عن طريق الأنبياء.

تقول أيضاً، أن “متى ومرقص ولوقا ويوحنا كتبوا الأناجيل”. إعلم أنك منزعج من حقيقتنا المسيحية وتحاول أن تجد لك رفيقاً في الكذب كي نقول أن الله أنزلها من السماء كما تقول أنت عن فركانك (سوء لفظ كلمة القرآن الكريم-المترجم) (72). لسنا جاهلين أن عمر وأبا تراب (73) وسلمان الفارسي (74) كتبوا القرآن بينما أنتم تؤمنون أن الله أنزله من السماء. لذلك، إعلم بحقيقتنا نحن المسيحيين: إنْ كان الأمر كما تتهمنا في أن الأناجيل كُتبت من قبل بعضهم، فأي شيء يعرقلنا لإزالة أسماء مؤلفي الإنجيل ونقول إن الله أنزله من السماء. لذلك، انتبه إلى هذه الناحية أيضاً أن الله لم يشأ بالاكتفاء بالكلمات غير المادية والأقوال المعارضة ولم يرسل ملائكته إلى البشر لتقديم النصح لهم، بل انتقى من بينهم الأنبياء وبعثهم إليهم. لذلك، وبعد أن حقق الرب ما حدده سابقاً بتحدثه عبر الأنبياء قبل أن يتجسد، ويقيناً منه أن الناس بحاجة لعونه، وعد بإرسال روح القدس إليهم كباراكغيتوس أي كمعزٍّ لأنهم كانوا حزانى ثكالى عندما سمعوا من معلمهم وربهم أنه سيتخلى عنهم. لذلك، سمّى روح القدس معزّياً حقيقياً لبعثه كمذكِّر لجميع أقواله وأفعاله التي قام بها أمامهم والتي يجب تعميمها في جميع أصقاع المعمورة.

لذلك، لا يمكن لهذه الشتائم أن تحظى على الغفران كما قال الرب في الأناجيل: “مَن يشتم روح القدس لا مغفرة له”. هل يمكن أن تكون هناك شتيمة أكثر شراً عندما تسمون شخصاً روح القدس يجهل علم الكتب الإلهية؟ قال الرب عن روح القدس: “إسمع حتى أقوالهم”. أما روح القدس، مانح السلوى، فقد قال: “إن المُرسَل من قبل الرب باسمي هو الذي سيعلمكم كل شيء” بينما لم يأت رسولك باسم الرب بل باسمه. ولم يتحدث روح القدس إلى الناس، بل إلى القديسين أي التلاميذ وإنك تعلم شخصياً أن رُسل الله لم يروا محمداً قط.

إذن، كما ذكرت في الأعلى، كان خالقنا يعلّم العلم الإلهي بين الفينة وأخرى عبر رسله لكنه لم يقم بكل ذلك عبر الأنبياء فقط حتى حلول العدالة الأبدية. بيّن الله التبدلات الثلاثة عن طريق النبي دانييل بحيث يتمكن الناس من الوصول إلى العلم الإلهي الأصدق من ظلمات الشرك إلى نور الشرائع ومنها إلى الضوء الساطع لإنجيل المسيح وبعدها من الإنجيل إلى النور الأبدية التي لا تنطفئ. أما التبدّل الرابع، أو العقيدة أو الوعد، فلم ينله الناس من أنبياء آخرين، بل على النقيض من ذلك، قبلوا من المخلّص ذاته وصيةَ عدم الإيمان بأي نبي أو مُرسل غير تلاميذه.

تقول أننا إنقسمنا إلى 72 قسماً بعد تلاميذ الرب، لكن الحقيقة غير ذلك. لا تعزي نفسك بالكذب بالاستشهاد بأغلاطنا لأن حالتك هي التي تستحق الذم ولا تشبه حال خدّام الله وسأبيّن لك سبب ذلك. إن عقيدتكم مُلك شعب واحد وبلغة واحدة ولم تظهر كما أنتم تؤكدون سوى في 100 سنة الأخيرة أو أكثر أو أقل بقليل (76). ورغم ذلك، ترى أن عقيدة الشعب الواحد هذه انشطرت إلى شيع عديدة في مدة قصيرة جداً (77) وحتى أن بعضها ينكر وجود الله والقيامة والنبي. هكذا ترى أن أشياء مماثلة تجري عندكم أيضاً وخاصة أنكم أمة واحدة بلغة واحدة ولكم زعيم واحد وهو الأمير والإمام. ولولا تنظيم الإيمان المسيحي بالحكمة الإنسانية، ألن يكون غريباً أن يصبح في حال أكثر سوءاً من إيمانكم؟ مضت حوالي 800 سنة أو أقل عندما ظهر المسيح وانتشر الإنجيل بين جميع الأمم بكل اللغات البشرية من الطرف الواحد للبسيطة حتى نهايتها في بلدان الروم والرومانيين والبرابرة البعيدين. ورغم شعورنا ببعض الاختلافات، فإن سبب ذلك هو تعدد اللغات فقط. وكما قلت، إنها اختلافات بسيطة ولا عداء بينها كما هي الحال عندكم. أنت تقول أن لدينا 72 نوعاً (من الشيع). هل تعتبرنا وثتيين كهؤلاء الذين كانوا قذرين في شبقهم ورجسين وزنادقة تجاه الله ويحاولون الاختفاء تحت اسم المسيح الأقدس بكراهيتهم وتسمية أنفسهم مسيحيين؟ لقد كان إيمان هؤلاء شتائم وغطاسهم تدنيساً وبعد اهتدائهم وارتدادهم عن دنسهم، كانت الكنيسة تعمّدهم كمشركين وكان الله قد قضى عليهم منذ زمن بعيد ولم يبقَ لهم أثر. نشكل نحن المسيحيون 70 شعباً وجميعنا نال المعمودية كضمان للحياة الأبدية المقدسة. وإنْ كان هناك بعض الأشخاص، الذين يفكرون بشكل مغاير إلى حد ما، فإننا (نجدهم) في البلدان القصية بين أناس مختلفي اللغات وخاصة الذين يعيشون ضمن حكمكم المستبد. لكن هؤلاء أيضاً مسيحيون ولا يحتاجون للعماد ثانية. وليس غريباً ألا يكون هؤلاء البعيدون ومختلفو اللغات جاهلين بأمانة الحقيقة كما يجب. لكن، الكتاب ذاته: الإنجيل احتُفظ به كاملاً في جميع اللغات دون أغلاط. ودون ذكر اللغات العديدة، التي انتشرت من خلالها العلوم الإلهية المخلّصة الرائعة، سأذكر منها القليل: أولها لغتنا اليونانية والرومانية ثانياً والعبرية ثالثاً والكلدانية رابعاً والسريانية خامساً والحبشية سادساً والهندية سابعاً وأنتم الساراكينوسيون ثامناً والفرس تاسعاً والأرمن عاشراً والجيورجيون في الموقع 11 والآرانيون في 12.

إذن، انطلاقاً من قولك، (لنخمّن) أن الكتب قد شوِّهت في الحقيقة عند أمة أو إثنتين وهما بعيدتان عنا جداً كما هو معلوم وإنهم غرباء بلغاتهم وتقاليدهم. لكنكم أنتم معتادون على القيام بمثل هذه الأشياء وخاصة الحجّاج (78) المعيّن حاكماً على فارس من قبلكم فقد جمع كتبكم القديمة وأضاف إليها أشياء أخرى مما كتب حسب ما يريد ووزعها على جموع شعبكم لأن إجراء مثل هذه الأشياء في شعب أو لغة سهل جداً كما جرى عندكم. وهكذا، لم يبقَ سوى القليل من كتب أبي تُراب لأنه (الحجاج) لم يفلح في إزالة جميعها. أما نحن، فقد جاءنا أمر مشدد من الله لعدم التجاسر للقيام بمثل ذلك. وفي حال معارضة أي شخص لأمره، فمن المستحيل جمع جميع الكتب المنتشرة بلغات عديدة وتدقيق كل واحد منها وإيجاد مترجمين وتعيينهم كي يحذفوا من الكتب ما يرون ويضيفوا ما يروق لهم. ولا تنسى أيضاً، كما قلت أنت بالذات، أن هناك خلافات بين المسيحيين أنفسهم رغم أنها لا تدور حول المسائل الأهم. لذلك، لم تتغير كتب الأمم المختلفة حسب مشيئتها أو تحدث مثل هذه الأشياء عندنا أكانوا مسيحيين قريبين أم بعيدين. لذلك، لا تكرر أكاذيبك كي لا تحيد عن  تفكيرك العادل وتجعله غير ذي قيمة.

لكنني أستغرب في رفضك للأناجيل الإلهية وكتب الرسل قائلاً إنها شوهّت من قبل أشخاص بكتابة ما يودون وسأردّ عليك انطلاقاً من آرائك غير الثابتة. أنت تشوّه الكلمات التي تستشهد بها وتكتب كلمة الرب أو الله عوضاً عن الأب. فإنْ كنت تفتش عن العدل، عليك الإيمان بالكتب والاستشهاد من خلالها. وفي حال رفضها كـ (كتب) مشوهة، عليك ألا تأتي بأمثلة منها. ثالثاً: يجب ألا تغيّر شهاداتك أيضاً انطلاقاً من مزاجيتك، بل عليك تقديمها كما جاءت في الكتب.

من الصعوبة بمكان لخدّام الله، الذين يطيعون أوامره، الحديث معكم لأن المشركين عندما يسمعون أسماء الأنبياء والمرسلين يتهكمون بشدة. أما أنتم، ومع أنكم لا تستخفون بأسمائهم، إلا أنكم تستهزئون بأقوالهم. وإلا، كيف سنتصرف تجاه الكلمات التي قيلت لموسى: “أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. تعالوا لنخلق إنساناً حسب صورتنا وشبهنا”. أو، “تعالوا لننزل ونختلط بهم”. أو، “أمطر الرب النار على سودوم وعمورة”. جميع هذه الأقوال هي من كتب موسى التي لم تقرأها أنت ولا مشرّعك.

لا تعتقد أنها قيلت للملائكة من قبل الله التي ليس بوسعها رؤيته. لا يمكننا اعتبار الكتب الإلهية دون أساس وباطلة كما تقول أنت. وبعد ذلك، تتهموننا بعبادة ثلاثة آلهة. إسمع ثم أجب أرجوك. تختلف الشمس عن أشعتها رغم أنها تخرج منها وبدونها لا يمكن أن تكون الشمس شمساً. فإذا قال أحدهم إن الأشعة تولد من الشمس دون علة أو من الطبيعة الأنثوية، فإنه لا يكذب. ورغم اختلاف الشمس والأشعة ، إلا أن ذلك لا يعني أن هناك شمسين. ألا يبدو لك كذلك؟ إذن، إن الضوء، الذي نراه بأعيننا وهو من صنع الله، يُخلق نظيفاً من العلل ويزول ليلاً ويختفي خلف الأشياء. لذلك، عليك القبول أن الضوء الإلهي المخلوق من ذاته والمكتفي بذاته لا يكسف. اضطررت على تبيان ذلك بتقديم مثال لأنك لا تؤمن بالوصايا التي قدمها الله في الكتب، بل تعتبر مشيئتك أسمى منه وخاصة أنك تكتب حولها ما تشاء وترفض ما لا تريده وتنفي. ملعون هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بإلهين أو ثلاثة ويجب اعتبار مثل هؤلاء دخلاء وبلا مبدأ. أما نحن، فإننا نعترف بإله واحد رب السماوات والأرض وهو الأقدس والأكثر حكمة في كلامه الذي لا يشبه كلامنا الذي يظهر ثم يختفي بل إن كلامه، الذي نحن على علم به، لا يولد كأشعة الشمس لأنه يسمو عن القدرة الإنسانية. تسميه الكتب الإلهية بابن الله وهو ليس وليد شهوة معلولة ورغبات دنسة بل (ولد) كأشعة الشمس الضوء من النار والكلمة من الفكر. بهذا القدر بوسع اللغة الإنسانية الشرح أن كلمة الله تنبع من الله.

ولأن لا وجود لمخلوق من مخلوقات الله أنبل من الإنسان، فإنك تعترف أن الله أمر الملائكة كي تسجد أمام آدم رغم أننا لا نجد ذلك في الكتب الإلهية. كان آدم إنساناً وأنت شهدت بذلك بشكل جميل بتأنيب كبريائك. إن هؤلاء، الذين لا يسجدون للبشر، عليهم أن يعلموا في أية طبقة سيُصنّفون كما أشرت أنت بدورك. معلوم، أن آدم خُلق بصورة الله. هل بوسعك الاعتقاد أن الله يتحدث حول جسدنا الفاني المعلول؟ لا!، وضع الخالق فيه كلمته وروحاً تشبه روحه وفكره. وبتوحيد كل ذلك فيه، منحه الاستقلال والإرادة وصورته. إلا أنه حُرم من هذا الشرف، الذي منحه إياه الخالق، بسبب خداع (الشيطان) الدسّاس فنسي خالقه وعاش حياة داعرة وشبقاً مقرفاً وفجوراً في جو من الكراهية والتحقير والاقتتال وكانت بداية جميع الشرور ونهايتها ضمن شرك لا أتجاسر على الحديث عنه لأن البشر عدّوا المخلوقات المرئية وغير المرئية آلهة وعبدوا الحياة الشبقة وحُب الذكور كآلهة وحوّل (الشيطان) الدسّاس هؤلاء إلى ساجدين له وكان سعيداً وهو يرى كيف يقومون بطقوس سقيمة من أجل الأصنام التي أقاموها بأنفسهم طالباً منهم الاستمرار.

عندما رأى إهانة صورته بسبب سجودهم للشيطان الدساس والقيام بأعمال ترضيه، غفر الله لنا كمحسن ومحب للبشر. ولأن الخلاص يكمن في الاعتراف بالخالق والابتعاد عن العدو، كان الله يُشعل علمه لخدّامه عبر رسله كسراج في دجى الشرك بين وقت وآخر. ولأن بصيرة الناس قد ابتليت بالعمى ولم يكن بوسعهم إدراك الضوء الإلهي كاملاً، لذلك، وكما قلت سلفاً، يُعْلم الله الناس من علمه بمقدار بسيط بين وقت وآخر حتى نهاية العالم بتقديم النصح لهم. وكان الله قد وعد سابقاً بمجيء كلماته متجسّدة عن طريق أنبيائه.

وكلمة الله كان من الضروري تجسدها في جسد وروح وكل شيء بشري خلا الخطايا. وبما أن لا أحد بوسعه النزول إلى تلك الدرجة من التواضع بقدر ما نزل هو، لذلك، نحن نعلم أن كل شيء حول التواضع قد تم الحديث حوله كإنسان الأكثر تواضعاً ورب حقيقي. هل تتذكر قول موسى الذي ذكرته حول المساواة مع الله ذاته؟ إسمع حول ظهور موسى كإنسان: “سيأتي الله برسول من أشقائكم يشبهني فاصغوا إليه جيداً مهما قال. وإنْ لم يسمع أحدهم هذا النبي، فليُقتل من قبل شعبه”. ظهر أنبياء عديدون في إسرائيل بعد موسى إلا أن تلك الوصية كانت تخص واحدهم فقط فقد كان الأقوى وسيتحدث حول أشياء يُصعب تصديقها.

لذلك، سأقدم لك شلة من شهادات الأنبياء المرسلين حول مجيء المسيح. لكن، إسمع قبل ذلك ما قيل عنه بكل تواضع. أعتقد أنك ستسمع بشهية. من المحتمل، سأتمكن من الصعود بك كالدرج وأوصلك إلى (الشهادات) الأسمى إنْ سمحت لنا إرادته. تنبأ داود عنه قائلاً: “أنا الدودة لا الإنسان، إهانة للناس واستخفاف بالشعب. والجميع الذبن يرونني كانوا يلومونني ويتحدثون بشفاههم ويحركون رؤوسهم. فوضع أمله بالله الذي منحه الحياة”. لم يحدث هذا الشيء لداود قط بل لربنا في ساعة صلبه.

إسمع لداود نفسه أيضاً الذي تحدث (بكلمات) العلي: “قال لي الرب أنت ولدي واليوم قمت بخلقك”. أما حول جميع المشركين، الذين يتوجب عليهم الإيمان به، فقد قال: “أطلب مني وسأقدم لك المشركين كإرث ومُلك حتى أقاصي العالم”. كذلك: “قال الرب: إجلس إلى يميني حتى أحوّل أعداءك إلى مسطبة تحت رجليك” و”معك تبدأ العظمة والقوة وبهاء قديسيك وولدتك من الرحم قبل الزُهرة”. وقد ذكر داود عن وحدانية الطبيعة الإلهية في السماء قائلاً: “امتلأت الأرض برحمة الرب وقامت السماء بكلمة الله وجميع قدراته بلسان روحه”. أما يريميا، فقد قال: “أرسلني الرب مع روحه”. وحول تجسّد الكلمة إسمع ما قاله يريميا أيضاً: “هو ربنا الذي لا أُشبهه بأحد فقد وجد (هذا) جميع دروب الحجمة ومنحها لخادمه يعقوب وعزيزته إسرائيل. بعد ذلك ظهر على الأرض وطاف بين الناس. هذه هي كتب أوامر الله وسننه التي ستبقى إلى الأبد. عُد يا يعقوب وتمسك به عند أول شروق ضوئه”. يشير النبي إلى مصدرين لشروق ضوئه: تواضعه الذي لا يوصف وبه أنار الكون بالأشعة الإلهية. أما الثاني، فهو الإنبعاث العالمي الذي نبه به النبي الأمة العبرية ونصحها كي تؤمن بالبزوغ الأول ولا يصبح أفرادها عصاة كما كانوا ويتمتع الأجانب، أي الكفار، بعزته. “عُدْ يا يعقوب وامسك به عند أول شروق ضوئه ولا تعطى عزتك للآخرين وفائدتك إلى الشعب الغريب: “.

إصغي إلى كلمات الله. لم تتجسّد كلمات الله عن طريق النبوءة فحسب، بل تنبأ أيضاً بثورة إسرائيل العصيانية. لا يمنعنا أي شيء من الإصغاء إلى نبوءة أي إنسان غريب ذكر عنها موسى في كتبه: “ما أجمل بيتك يا يعقوب وخيمتك يا إسرائيل”. وبعد ذلك بقليل: “سيخرج رجل من ذريته ويحكم شعوباً عديدة جداً وتصبح مملكته أوسع من البحر وستزدهر”. أيضاً: “سأُريه لكم لكن ليس الآن وسأتفحّص لكن ليس قريباً. سيولد نجم من يعقوب ويخرج رجل من إسرائيل وينتصر على أمير مؤاب ويقوم بأسر جميع أبناء سيت”. لذلك، ورغم أنه قال جميع هذه الأشياء عنه كبشر، لكن لاحظ، كيف بيّن له سبيل إخضاع جميع المشركين.

هل ترغب في معرفة ما يعني إخضاع جميع الأمم؟ هو إيمان الجميع به كما تراه أنت بالذات. بوسعي أن أُريك أمير مؤاب فهو الشيطان مع الجن الذين سدد لهم المسيح ضربة لأنهم كانوا يعززون الضلال بين الناس تجاه الأصنام بعبادتها. وكان كفر المؤابيين والأمم المجاورة لهم مقززاً جداً أكثر من جميع الأمم لأنهم كانوا يعبدون الأعضاء الجنسية للرجال والنساء التي يشبعون بها رغباتهم الشبقة.

أُنظر كيف ارتفعت مملكته الأرضية بينما (مملكة) المسيح سماوية. ولكن، ما هي مملكة المسيح؟ إنتبه إلى كلمات روح القدس التي قيلت بفم داود: “إلهي، إمنح حقك للملك وعدلك لابنه”. أليس المسيح ابن ملك السماوات والأرض: ابن الله إلهياً وابن داود بشرياً كما أكدنا مراراً. ويستطرد قائلاً: “سيبقى تحت الشمس قبل القمر جيلاً بعد جيل ويسيطر على جميع البحار والأنهار في جميع أصقاع المعمورة. ستسجد له جميع أمم الدنيا وتخدمه وتصلي في كل ساعة وتباركه يومياً. ليتقدس اسم الرب لأن اسمه قبل الشمس ولتتبارك باسمه جميع الأمم ولتُسعد به”.

لذلك، مَنْ يتجاسر نسب تلك الأشياء لابن الإنسان-داود فقط لا إلى ابن داود جسدياً وإلى الكلمة حسب الألوهية وابن الله الذي يسيطر بإيمان السلام لا القتل بالسيف وسيل الدماء الذي لا يرحم والأسر. جاء حول ذلك في المزمار ذاته على وجه الخصوص: “ستبزغ العدالة في أيامه وسيعم السلام حتى زوال القمر”. كذلك، قال الله عبر النبي ميكيه: “أنتِ يا بيت لحم، رغم قلة سكانك بين آلاف يهوذا، سيخرج منك ذلك الذي سيكون لي دليلاً ويقود شعب إسرائيل وخروجه سيكون من الأيام الأولى لبداية العالم”. كذلك قال الرب عن طريق يريميا: “هو إنسان، مَنْ يمكنه التعرّف عليه وتمييزه وهو ما تنتظره إسرائيل؟ جميع هؤلاء، الذين هجروك سيخجلون ويساقون إلى البلاد أسرى لأنهم ابتعدوا عن الرب منبع ماء الحياة. ويسمي غير الكفار من اليهود بإسرائيل لا هؤلاء رأوا كلام الله وآمنوا، وأن ترجمة (اسم) إسرائيل عن العبرية تعني حاد البصيرة. لذلك، يرغب الرب أن تتمكن إسرائيل من الرؤية.

إسمع! ماذا قال عبر إشعيا: “ولِد لنا ولد يحمل سلطته على كتفيه وسُمي بملاك السر الكبير ومشاور رائع ورب جبّار وأمير السلام وأب الحياة الأبدية”. سماه ملاكاً لأنه كان خال من الذنوب البشرية”. واستطرد قائلاً: “كبيرة هي سلطته وليست لسلامه حدود وسيجلس على كرسي داود وستُمجّد مملكته وتتعزّز بالعدل إلى الأبد”. لكنه لم يجلس على كرسي داود أو يصبح ملك إسرائيل لأن الحديث لا يعود حول الكرسي الفاني بل الكرسي الذي تكلم عنه مع داود قائلاً: “سأُجهّز الأبدية لأولاده وأحافظ على كرسيك أمة بعد أمة كأيام السماء”. لكن، ما طبيعة كرسي داود وكيف أصبح أبدياً كأيام السماء سوى المملكة السماوية لابن داود المجسّد الذي هو المسيح الذي قال عنه أيضاً: “سيقعد على كرسي داود وتُمجّد مملكته وتتعزز بالعدل منذ الآن وحتى الأزمنة الأبدية”. من المعلوم، أن مملكة المسيح المجسّد كابن داود الأقوى والأبهر نقلت نحو الأعلى: إلى السماء إلى الأبدية غير القابلة للوصول. عليك الانتباه أيضاً إلى يسايي: “ستحبل العذراء وتنجب ولداً ويسمونه عمانوئيل أي الرب معنا.

لدي شهادات عديدة أخرى رأيت تلخيصها كي لا يشعر المستمعون بالملل. فإنْ رغبت إسمع أيضاً حول تواضعه الذي لا يمكن دحضه أثناء تعرضه للتعذيب الذي تحمله طوعاً وصبر كما تنبأ الرسل سلفاً. قال روح القدس عن طريق يسايي: “لا أتشدد أو أعارض: عرّضت كتفي للضرب وفكي للصفعات ولم أُدر وجهي من خجل البصق”. كذلك قال الرب عبر زكريا: “إنْ كان يبدو ذلك خيراً في أعينكم، قدّموا لي إجرتي وإلا فانسوا الأمر. ثم قاموا بوزن إجرتي ومقدارها 30 قطعة فضية”. في الواقع حدث هذا للمخلّص أيضاً عندما وشى به تلميذه وتعرّض للموت. وقد جاءت نبوءات شتى أخرى تروي عنها الآناجيل المقدسة وإنْ شئت بوسعك قراءتها بروية وتجد فيها كل ذلك. فإلى جانب النبوءات العديدة، تنبأ داود بدوره بكل ذلك قائلاً: “إن الذي كان يأكل من خبزي رفع ضدي عقب رجله”. إسمع ما أعلن يسايي عنه أيضاً: “سيُصبح خادمي حكيماً وينمو ويصعد شأنه ويصبح ممجداً جداً كما استغربت بك أمم عديدة وسيُغلق الملوك أفواههم أمامه لأن ما لم يُروَ عنه سيرونه وما لم يسمعوه سيعلمون عنه. إلهي! مَن صدّق خبرنا ولمن ظهرت يد الرب. لأنه خرج كالشتلة وكالجذر من أرض عطشى. نحن رأيناه ولم يكن له شكل ولا جمال بل كان مظهره قبيحاً وأسوأ من ابن أية جماعة بشرية. إن رجلاً تلقى الصدمات كان يعرف كيف يصبر وكانوا يديرون وجههم عنه واحتُقر واعتُبر شيئاً لا قيمة له. وقد حمل ذنوبنا معه وعّذب من أجلنا واعتبرنا أن آلامه والصدمات والعذابات هي من عند الله. لكنه أُهين من أجل خطايانا وعوقب بسبب استبدادنا وأصابه عقاب سلامنا وشُفينا بجراحه وجميعنا ضللنا الدرب كالخراف وتاه كل على طريقه ووشى به الرب بسبب خطايانا إلا أنه لم يفتح فمه في أساه. سيق إلى الذبح كالخروف وكالنعجة للجز دون اعتراض ولم يفتح فاه. أُدين بتواضع وانتهت حياته الأرضية. سيق إلى الموت بسبب استبداد شعبي وخاصة أنه لم يقترف ذنباً أو ينطق بمكر أيضاً”.

إنك تُنكر جميع هذه الشهادات التي تحدث عنه روح القدس عبر خدّامه من الرسل وتعتبرها أكاذيب وأين أمر مُشرّعك في عدم التصديق سوى بشهادة شاهدين حتى في الأمور الصغيرة جداً؟ كيف تتجاسر بلفظ مسبة هائلة كهذه ؟ إنك نسيت أن مريم ليست ابنة أمرام أو شقيقة هارون بل هي والدة ربنا المسيح. فإنْ كان وجهك من جسد لا من حجر فاخجل لإظهارك جميع هذه الأكاذيب لأن الله وعد أن مجيء المسيح سيكون من عشيرة يهوذا بينما مريمك ابنة عمرام من قبيلة غيفي. وبسبب أكاذيبكم العديدة البيّنة، من الصعوبة بمكان اتّباع (أقوالكم). ومهما تكن خرافاتك غير مؤكدة وكاذبة إلى أقصى حد، يمكننا تجفيفها بدلو الحقيقة الصغير.

أنت قلت إننا واليهود شوهنا الأناجيل والمزامير ثم استطردت مضيفاً أنها منزلة من عند الله. فإن كانت كتبنا مشوهة وغير أكيدة فأين الكتاب الذي تستشهد به؟ لذلك، دعني أرى مزامير موسى والأنبياء وداود الأخرى أو إنجيلاً آخر. آه، إن تلفيقك معيب وكذبك الأسطوري قبل كل شيء. كان عليك على الأقل أن تقول إنك لم تكن هناك فلا تصدقوا ما يقال. يا رجل، إنك شوّهت شهاداتك رغم استخلاصها من أناجيلنا وقمت بتحريفها ومع ذلك تتهمنا أننا قمنا بتشويهها. تكلم عن الإنجيل الذي رآه مشرعك وعندئذ سأعلم أنك تجانب الحقيقة.

تقول إن الإيمان والعماد واحد وليس هناك أي إيمان أو وصية أخرى مُرسلة إلى البشر من عند الله. تقول أيضاً إن (الأقدمين) لم يستديروا نحو الجهة التي تصلون باتجاهها. هذا غير منطقي وهي مجموعة من المسائل الفارغة لأن الجهة، التي كان الأنبياء يستديرون نحوها أثناء الصلاة، ليست مذكورة. أنت ترغب بكل بساطة في السجود للمذابح الوثنية التي تسميها بيت إبراهيم. لا نجد في أي مكان من الكتب الإلهية أن إبراهيم كان في المكان الذي علمكم إياه مشرّعكم وطلب منكم السجود أمامه. أما بالنسبة لتناول القربان المقدس، فإنني سأقدم ردي في المكان المناسب.

لنرى الآن إنْ كانت الأقوال في الإنجيل كما تعتقد أنت. صلّى المسيح كإنسان وانحدر منا ليعلمنا إلا أنه لا يحتاج للصلاة من الناحية الألوهية. إنه لم يقل أثناء صلاته ما كتبت عنه في رسالتك، بل (كان يقول): “أبتي، أبعد عني هذا الكأس إنْ كان ممكناً” مشيراً إلى أنه إنسان حقيقي. إنْ اعترف أي شخص بكلمة الله في غياب الألوهية، سيفقد أمل حياته كذلك الشخص الذي لا يعترف بطبيعته الإنسانية كاملاً.

لكن، هل ترى حقيقة الأناجيل التي نؤمن بها لأنها تحافظ على الأكثر تواضعاً والأعلى منزلة فإن قمنا نحن أو أسلافنا بتشويهها كيف يمكننا أن نحذف الكلمات التي جاءت عنه في الأناجيل كالأكثر تواضعاً؟ قال: “ليس بوسع ابن الإنسان ذاته خلق شيء من لا شيء بل والده الذي يسكن فيه هو الذي يقوم بذلك”. آمن أيضاً بخوف ساعة الموت الحيوي والعَرَق الذي سال منه عوضاً عن آدم لأنه قال لآدم: “ستأكل لقمة خبزك بعرقك”. قام الملاك بدعمه وظهر ليس لدعمه شخصياً، بل لتثبيت إيمان تلاميذه لأنهم كانوا يعتبرونه مجرد إنسان وليُظهر على الأقل أنه أعلى منزلة من الإنسان العادي بسبب تحدثه مع الملاك.

وبما أنك تؤمن بذلك، فآمن بالتالي ما قاله في هذه الكتب: “أرسلني الله إلى العالم وسأعود إليه”. وكما كتبت أنت أيضاً في رسالتك أنه قال: “الأب الذي أرسلني هو معي”. كذلك: “خرجت من الأب وجئت إلى الدنيا وسأتركها وأعود إليه”. لكنك وفي كل مكان جاءت كلمة الأب، فإنك تقلبها إلى رب أو الله اعتقاداً أنك تبرّر نفسك.

بين جميع آرائك غير الحقيقية، مرة واحدة فقط لم تكذب وجئت بشهادة صحيحة لكنك لا ترغب في أن تؤمن أن “مَن يؤمن بي فلن سيؤمن بالذي أرسلني لا بالرجل المرئي، بل بكلام الله غير المرئي”. يقول كذلك: “مَن يحقّرني يحقّر مَن أرسلني”. أيضاً: “مَن يراني سيرى الذي أرسلني”. أرسله كإنسان وإله (للغير). قال للتلاميذ: “أبي أكبر مني” أي أكبر من الإنسانية”. كذلك قال: “أنا وأبي واحد”. قال أثناء صلاته كما ذكرت أنت: “ليؤمنوا فيك فقط كإله حق الذي أرسل يسوع المسيح”. فوضع يسوع المسيح في مرتبة شرف الألوهية ذاتها. لذلك، فإن كان رسولاً فقط، فعندئذ يجب القول إن عليهم الاعتراف بالإله الحق فقط وموسى وغيره من الأنبياء وبعد ذلك المسيح. لذلك، أهجر أفكارك المليئة بالهذيان لأن المسيح كان إلهاً كاملاً وأضحى إنساناً حقيقياً بتجسّده.

كما قلت مراراً، نجد (في الكتب) أنه الأكثر تواضعاً كإنسان والأعلى شأناً كإله حق. تعرّض إلى اختبار الشيطان خارجياً، أي جسدياً، فارتعد الشيطان عندما سمع صوت الله أثناء المعمودية وهو يقول: “هذا هو ولدي الحبيب الذي ارتضيت به” فاحتار لمن ينسب هذا الصوت. أما الرب المسيح، الذي قرر الصيام مدة 40 يوماً، كان يشير بجلاء إلى أن الصوت يعود إليه. لذلك، فإن الشر يحسد دائماً وينزعج عندما يرى الهارعين إلى الفضيلة واقتراب الإنسان لرؤية الرب. أما هو، العالم في كل شيء، يرد عليه كإنسان ولا يرى أن عدونا يستحق أن يعلم بسر الكمال. ألم تقرأ أنه بعد تعرضه للاختبار ابتعد عنه الشيطان فترة واقتربت منه الملائكة وكانت تخدمه وهي طبعاً لا تخدم الإنسان فقط. وكما أرى، إنك تهرب من الحقيقة بكل بساطة ولا ترغب غير ذلك. نقول هذا لكنك تعارضنا لأنك تعتبر أن ربنا المسيح هو إنسان فحسب مستشهداً بآدم الذي خُلق من قبل الله من دون أبوين.

سمعت عن الموت الحيوي ولا تزال تقول أن لا أحداً من الناس يمكنه قتله. فإذا كان محض إنسان حسب رأيك، فما الغرابة في ذلك إنْ توفي الإنسان؟ لذلك، فكّر جيداً حول ذلك ولماذا تقبل بالأكثر تواضعاً الذي قيل عن المسيح الرب وتهمل الأسمى وترفضه؟ إسمع ما جاء في الأناجيل حول ذلك بالذات. عمن يتحدث يوحنا المعمدان عندما يقول: “مَن يؤمن بالابن، سيرث الحياة الأبدية ومَن لا يطيع الابن لن يرى الحياة بل سيحل غضب الله عليه”؟ أيضاً، يقول زكريا بن يوحنا: “هذا هو المسيح حَمَلُ الله الذي يحمل ذنوب العالم”. وجاء في بداية إ

Share This