كتاب “تاريخ غيفوند”، المؤرخ الأرمني من القرن 8 ميلادي (6)

الفصل الخامس عشر

أرسل الإمبراطور ليو نسخة عن رده إلى الأمير الإسماعيلي عمر مع أحد خدامه المخلصين وبعد قراءته بإجلال كبير خجل هذا كثيراً. وبفضل هذه الورقة، أصبح عمر أكثر تسامحاً تجاه الأمة المسيحية وكان يعبّر عن ذلك في كل فرصة. وكما روينا سابقاً، أعاد الأسرى وعفا عن ذنوب الجميع مجاناً (دون فدية) وأظهر أيضاً صدق نيته أكثر مقارنة بأسلافه الذين حكموا قبله. ثم شرّع أبواب خزائنه ووزع مرتبات الضباط والفرسان. وبعد أن قام بكل ذلك توفي عمر.

الفصل السادس عشر

حكم بعده شخص يدعى يزيد (87) مدة 6 سنوات وكان إنساناً مستبداً وشديداً في شراسته ويقترف شروراً عديدة جداً ضد أمتنا المسيحية وكان ممسوساً بالشيطان فأمر بتحطيم صور ربنا ومخلصنا وتلاميذه الحية وصليب المسيح الرباني الذي كان منتصباً في أماكن عديدة باسم الثالوث المقدس. أكرهه ضلال روحه الشريرة كثيراً كي يتمرد ويعارض الصرح (الكنيسة) الثابت. لم يفلح في القيام بعمل أي شيء لبنيتها لأنه تحطم هو بالذات. وبوصوله إلى قمة الضلال، أمر بإزالة جموع الخنازير الحيوانات غير المقدسة من على وجه الأرض التي تقتات على الحشائش لأن روحه الشريرة أوصلته إلى ذلك. وعندما دنت منه المنية، مات غرقاً ولاقى دينونته الأخيرة التي يستحقها من رب الجميع. وهكذا فطس بميتة مُرة.

 

الفصل السابع عشر

حكم بعده شام أي هشم (88) مدة 19 سنة.

قرر هذا في السنة الأولى من حكمه تحقيق فكرة سيئة بإرسال قائد يدعى هيرت (89) إلى بلاد الأرمن لإجراء إحصاء سكاني فيها كي يشدد من وزر الضرائب باللجوء إلى شرور شتى متظاهراً باستيائه من حسن نية عمر الذي بدد الكنوز المكدسة من قبل الخلفاء السابقين بشكل غير قانوني وسبب أحزاناً عديدة لبلادنا. ولم تكن هناك أية حيلة للانعتاق من هذه الاضطرابات التي لا يمكن تحملها. وبعد ذلك اشتدت وطأة يده على بلاد الأرمن أكثر من ذي قبل.

الفصل الثامن عشر

في ذلك الزمان، جرت اضطرابات في الجهات الشمالية لأن ملك الخزر، الذي كان يسمى خاقان، توفي. عندما رأت والدته ذلك، وكانت تدعى بارسبيت، أمرت القائد طارماش كي يجمع قوات كبيرة للهجوم على بلادنا أرمينيا. تحركت القوات من خلال بلاد الهون ثم عبرت باب جورا وبلاد المزكتيين واجتاحت بلاد بايتاكاران وعبرت نهر يراسخ نحو بلاد الفرس ودمرت مدينتي أرتافيد وكنجة التجاريتين والمقاطعة التي تدعى أتشيباكوان وانتصر السباتار بيروز وفورميزد بيروز (90) على جيش الإسماعيليين وكان الجرّاح قائده (91). قام جيش الخزر بقتلهم جميعاً بالسيف واجتاح مقاطعة زاريفاند وطوق القلعة المعروفة باسم أمبريوتيك وترك شبان الجيش والمأسورين قرب مدينة أرتافيت. وبينما كان الخزر يكافحون أمام القلعة، هاجمتهم قوة غير كبيرة من الإسماعيليين بقيادة سيت الحرشي (92) بلمح البصر وقتلت العديدين بالسيف وأعتقت المأسورين. وصل خبر الاندحار بسرعة إلى الجيش الذي كان يدافع عن قلعة أمبريوتيك. وعندما سمعوا بالشر الذي لحق بهم، تركوا القلعة المطوّقة وهرعوا لمهاجمة عدوهم الذي اجتاح معسكرهم. هاجموا (العرب) تلك القوات وسددوا لها ضربات عديدة وصادروا شعار رايتهم، وهو عبارة عن صورة نحاسية يحتفظ به الحرشي إشارة فخر لبسالة أجدادهم.

أرسل الأمير الإسماعيلي شقيقه مسلم (93) بعد ذلك لمساعدة قوات الحرشي بصحبة جموع جنوده. وعندما رأى مسلم أنه لم يصل في الموعد المحدد لبدء الحرب، حيث كان الحرشي قد وصل إلى النصر، قام بقتل العديدين بالسيف واصطحب معه الغنيمة والأسرى ثم قام بتأنيب الحرشي وحاول حتى قتله لكنه لم يتمكن من إعطاء أمر صريح بسبب معارضة بني قومه الذين رفعوا أصواتهم عالياً محتجين. وهكذا، وبسبب غياب الجسارة في فرض إرادته، صمت وتراجع عن تنفيذ نياته وقفل راجعاً إلى الأمير الإسماعيلي.

الفصل التاسع عشر

بعد ذلك، هدد (الخليفة) ملك الروم ليو وأرسل إليه رسولاً (يطلب منه) دفع الجزية والخضوع له. وعندما لم يبادر الإمبراطور ليو إلى تلبية هذا الطلب، غضب الخليفة وبعث شقيقه مسلم بجيش كبير ضد بلاد الروم. وصل هذا بجيشه الكبير إلى سوريا عبر كيليكيا، ميسيكيون، التي تترجم ببلاد ما بين النهرين، وسار ووصل إلى بلاد البيوتانيين وعسكر قرب شاطئ نهر ساكاريس الأعظم في المنطقة. استعدت قوات الروم بدورها وجرّت السكان إلى القلاع والمدن لمقاومة الإسماعيليين بينما أقامت معسكرها على الضفة الأخرى للنهر وحصّنته وطوقته بخندق واستمرت في الانتظار مدة طويلة. بعد ذلك، وصلت تنبيهات يومية عديدة من الملك ليو لقائده كي لا يقع في شرك ماكر، بل عليه الانتظار فقط دون خوض الحرب ضدهم. لكنه لم يأخذ بتنبيهات الإمبراطور . وتكمن الحقيقة في أن القائد الإسماعيلي دعا قواته لاجتياح جميع المناطق والحصول على الغنائم وأسر العديدين ثم العودة إلى بلادهم. وعندما علم قائد الروم بذلك، أمر جيشه بحمل السلاح والهجوم عليهم. وعندما هاجموا الجيش الإسماعيلي، رأوا (هؤلاء) مباشرة وصولهم خلفهم وكانت غيمة من الغبار تحجبهم عن الرؤية. قام الإسماعيليون بتقسيم جيشهم إلى 3 جماعات وتمترسوا هنا وهناك بينما قام مسلم بمجابهتم بقسم من جيشه. وعندما التحم الطرفان، قام الجنود المختبئون بتطويق جيش الروم وقتلوا العديدين بالسيف واحتلوا مقاطعات تلك البلاد ومدنها. ويقال أن عدد الأسرى يربو عن 80,000 وعاد الإسماعيليون بابتهاج كبير إلى بلادهم.

عندما علم الأمير الإسماعيلي الكبير بالنصر، سُر جداً مع وزرائه وأكرم شقيقه وبارك هذا النصر رسمياً ثم وزع الغنيمة على الجيش واتخذ الأسرى كخدام وخدامات وساد الهدوء في تلك السنة.

شروحات:

(79) سبب ذلك تعجّب ك.شاهنازاريان وك.باتكانيان إلا أن جيفري يذكر أن هذه العادة كانت موجودة بين الشعوب الإسلامية.

(80) من المحتمل أنه محمد بن مروان.

(81) يبدو أن هذه الورقة كُتبت في بداية حكم ليو عندما لم تبدأ حركة تحطيم الصور. وكان اليهود يضعون صفيحة من الذهب على غطاء رأس الحاخام.

(82) تُرجم هذا السطر في الإنجيل من اليونانية مباشرة.

(83) الكابار هي الكعبة (حجر النيازك الأسود من السماء) في مدينة مكة.

(84) الروكون (كلمة الركن العربية) هي الحجر الأسود المقدس ذاته في مكة.

(85) زيد، الذي تبناه الرسول محمد، طلّق زوجته زينب فاقترن بها الرسول.

(86) يشير إلى حكم الساسانيين 226-652م الذي دام أكثر من 400 عام.

(87) حكم الخليفة يزيد في السنوات 720-724م وكان مشهوراً بمزاجياته الغريبة. وبناء على المؤرخ السرياني ديونيسوس تل محري، أمر بتحطيم الصور المقدسة في السنة 1035 سلوقية= 723-724م ليس في الكنائس فقط، بل داخل الدور أيضاً وأمر بقتل الكلاب البيض والحمام الأبيض والديوك.

ـ ديونيسوس تل محري، ص 17.

(88) “شام” و”هشم” اسمان مشوهان لهشام. كان الخليفة هشام 724-743م رجل دولة مرموقاً بين الأمويين وفي عهده فتحوا المناطق المسكونة بالشعوب الإيرانية في آسيا الوسطى في سوغد وخوارزم وفرغانة وغيرها بشكل نهائي. اشتد وزر الضرائب في عهده وكانت معاملته قاسية تجاه الحكام الذين يقوم بتعيينهم عندما كانوا يستغلون منصبهم لتكديس المال على وجه الخصوص.

(89) كلمة “هيرت” جاءت مشوهة اللفظ وتعود لحاكم أرمينيا الحارث بن عمرو الطائي 724-725م. ذكره المؤرخ الأرمني موفسيس كاغانكاتواتسي أنه قام بإحصاء عام للسكان في أرمينيا وحدد الجزية على كل رأس عوضاً عن كل عائلة فساءت أحوال الشعب كثيراً. يشهد غيفوند بدوره أن الجزية على الرأس قام العباسيون بجبايتها بأشد الوسائل تعذيباً.

(90) تقع منطقتا أتشيراكوان وسباتار بيروز (سبانتاران بيروج) وفورميزد بيروز (فورميزد بيروج) في مقاطعة بايتاكاران التاريخية جنوبي نهر آراكس.

(91) قائد أرمينيا “جرّاي” كلمة عربية مشوهة أصلها الجراح بن عبد الله الحكمي 722-725م و729-730م.

(92) “سيت الهاراشي” اسم مشوه اللفظ وهو حاكم أرمينيا سعيد بن عمرو الحرشي 730-731م.

(93) “ميسْليم” تعبير مشوه للقائد العربي الشهير مسلمة بن عبد الملك الذي تبوأ منصب حاكم أرمينيا ومقاطعات أخرى لعدة مرات.

ـ آرام تير غيفونديان، كرونولوجية الحكام العرب في أرمينيا، مجلة “باتماباناسيراكان هانديس” العدد 1، 1977، بالأرمنية.

المصدر: “تاريخ غيفوند”، المؤرخ الأرمني من القرن 8 ميلادي، ترجمه عن الأرمنية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، حلب 2010، والتي ينشرها موقع (أزتاك العربي للشؤون الأرمنية) تباعاً.

 

Share This