قصة “التاجر” من الأدب الأرمني الساخر من مجموعة (ضريبة اللباقة) للكاتب الساخر هاكوب بارونيان

من مجموعة (ضريبة اللباقة) للكاتب الساخر هاكوب بارونيان*.

ترجمة د. نورا أريسيان

أنت تاجر، وأنا لا ألومك على كونك تاجراً لأنك لست أنت المذنب، بل الذي قادك إلى التجارة.

ولا أهينك، بل فليُسمح لي وأتحدث بإنصاف. أنا أتصرف معك كما لو كنت أتصرف مع نشّال، أي عندما أتعامل معك آخذ حذري كي لا أنخدع، ليس من باب الأخذ بالنصيحة من العبارة المشهورة أن (التجارة هي فن الغش والخداع)، بل مستنداً إلى التجارب الشخصية التي تعطيني الجرأة كي أعترف بصوت عال اليوم أن من بين مئة تاجر تعّرفت على تاجرين اثنين فقط لا يكذبان.. ولكن اعلم أن التاجرين الاثنين لا يتكلمان أبداً.

قلنا إنك تاجر ولا داعي للخجل. تذهب إلى محلك في صباحية ربّنا وتقيم مصيدتك وتهيّئ كل شيء كي لا تهرّب فريستك التي تنتظرها سـاعة بسـاعة. أنت تـاجر كبير، ولا داعي للقـول إنك مخادع وغشـاش كبير، لـذلك تنزوي في زاوية محلك وعيونك تحدق بالباب من حيث ستأتي الفريسة.

تأتي ساعات وتذهب وتنزلق، وها هو زبون يظهر أمام الباب. تقف مباشرة وتركض نحوه لتستقبل الزبون وتُجلسه على كرسيك. تقدم له القهوة وتتملق وتلاطفه وتحيط به بكثير من الاحترام، وتكذب لمدة ساعة كاملة، وأما كاتبك، فيضيف على أكاذيبك ويؤكد على أكاذيب أخرى.

زبونك دسم بعض الشيء، سوف يشتري بمبلغ ثلاثة أو أربعـة آلاف ليرة ذهب، ويريد نماذج لبضاعة أخرى، تُريه البضاعة وأنت تقرأ عليه المزيد من الإطراء، بقي أن تكلل بضاعتك بأكاليل من الغار.

  • هذه البضاعة غير موجودة في السوق، لقد أوصينا عليها خصيصاً من أجلنا.

ويردف كاتبك حيث تكون قد اتفقت معه.

  • إنها بضاعة فاخرة.
  • بضاعة رائعة، لا مثيل لها.
  • يا ليتنا نربح رزماً من الآلاف من هذه البضاعة.
  • إنها بضاعة لن تجد توءمها.
  • إنها بضاعة حتى لو غسلتها ألف مرة لا تغيّر عقيدتها.
  • هذه البضاعة صاحبة مبدأ.
  • بالتأكيد صاحبة مبدأ، لأنها لا تتمزق أبداً.
  • يمكن استعمالها مئة سنة.
  • ماذا تقول يا سيدي، مئة سنة.. مئة وخمسين سنة، مئتي سنة، ثلاثمئة سنة…
  • أقيموا ضريحاُ على هذه البضاعة يا أيها الأغنياء.
  • إنها بضاعة فاخرة.
  • نحن لا نُري هذه البضاعة لكل الناس.
  • لقد كشفنا عن هذه البضاعة لكم كي تعتادوا على محلنا.
  • اعذرونا، نرجو منك ألا تقول لأحد بأنك اشتريت هذه البضاعة من محلنا.

وبآلاف الكلمات مثل التي قيلت من قِبلك ومن قِبل كاتبك، تنجحون في ترويج البضاعة. ويأتي دور المساومة.

  • سأقول سعراً نهائياً.
  • إنها عادة أفندينا أن يقول السعر النهائي.
  • أنا لا أستسيغ المساومة.
  • أفندينا لا يستسيغ المساومة بتاتاً.
  • يمكن أن تكون المساومة أمراً جيداً لكن هي تتعارض مع طبيعتي.
  • المساومة تتعارض مع طبيعة أفندينا.
  • لا أحب كثر الكلام.
  • أفندينا لا يحب كثر الكلام.
  • بكلمة واحدة، ستدفع من أجل هذه البضاعة ثلاثة آلاف وثمانمئة وربع ليرة ذهب ومجيديتين.
  • لقد أخطأت، يا أفندي، أخطأت، البضاعة كلفتنا أربعة آلاف ليرة ذهب.
  • ماذا تقول؟
  • أخطأت في الحساب، يا أفندي، سوف أريك حسابات تلك البضاعة التي استلمناها من المشغل من أوروبا.

ويأتي الكاتب بكشف حسابات مزور، ويرميه أمامك.

وأنت وكأنك تدققها وتعترف بخطأك.

  • لقد أخطأت بالحساب.
  • كنتَ ستقول أربعة آلاف ومئة وربع ليرة.
  • مهما كان، لقد لفظتُها مرة، أنا لا أرجع بكلامي.

ويتظاهر الكاتب بالغضب، ويذهب إلى طاولته متمتماً.

  • نخسر ثلاثمئة ليرة لكي لا يرجع بكلامه.
  • نعم لقد لفظتها، ادفع ذلك المبلغ وخذ البضاعة.

يتذمر الكاتب ويقول:

  • الأغبياء أمثالنا يغشون كل يوم، لو لم أكن كاتباً في هذا المحل لكنت أتيت دائماً إلى هنا لشراء البضائع.

فيجيب الزبون:

  • يا أفندي، أنا أيضاً سأعطيك سعراً نهائياً، سوف أدفع ثلاثة آلاف وسبعمئة وعشرين ليرة من أجل هذه البضاعة.

تم صيد الفريسة. تربح خمسمئة ليرة وتسعد لنجاحك، ولكن احتمال الشك من جهة، وشناعة انتزاع عدة ليرات ذهب أكثر من جهة أخرى، تلزمك أن تجيب زبونك باندهاش، وتقول:

  • هل أنت ولد، ألم تتعرف على البضاعة يا أخي؟

يتمتم الكاتب:

  • هذه البضاعة ليست للعرض على الجميع.
  • اعذرونا نحن لسنا هنا من أجل أن نخدع الناس.

يقول الزبون:

  • أعطيك عشرين ليرة أكثر.
  • وهل نتحدث عن عشرين ليرة ذهب؟ إن أردت خذ البضاعة ولا تدفع شيئاً، لكن ليست المسألة كذلك، عليك أن تعطي قيمة للبضاعة.
  • سأعطيك عشر ليرات أخرى.

لقد وصلت ساعة الاتفاق، وأخذ الليرات الذهب، وبذلك تبدأ خطبة قصيرة ولكن مؤثرة، حيث ترضى بالكثير الكثير من التنازلات، وفي تلك اللحظة تماماً يدخل إلى محلك رجل قصير، ولكنه ذو نفوذ.

  • المسيح قام.
  • حقاً قام.
  • كيف حالكم، بخير؟
  • الحمد لله، ينوفك آغا.
  • كيف حال السيدة؟
  • جيدة.
  • الآنسات بخير؟
  • بخير.
  • وكيف ابنك؟
  • جيد جداً.
  • والدتك؟
  • لا بأس.
  • جدتك؟
  • مرتاحة.
  • ماذا يفعل صهرك؟
  • ما يفعله.
  • هل هو عندكم؟
  • لا.
  • أنت عند صهركم؟
  • لا.
  • أين أنتم إذاً؟
  • في بيتنا.
  • حسناً حسناً، اطلب لي قهوة فأنا تعب جداً.
  • حسناً.
  • أتدري أن كلبتنا ولدت الليلة الماضية.
  • نعم، تفعل ذلك.
  • سوف نعطيكم جرواً واحداً.
  • أشكرك.
  • لكن بعد أن يكبر قليلاً.
  • جيد.

يتحرك الزبون تأهباً للذهاب، تجيبه بالإشارات، ولكن اللباقة لا تسمح أن تطرد ينوفك آغا.

  • وكم هي جميلة الجروات!
  • نعم.
  • كنت سأسألك، كيف تربيها. أمهم مريضة وضعيفة ليس لديها الحليب.. قالوا في البيت أن نستعمل زجاجة الرضاعة.
  • نعم.
  • وهل يصح؟
  • لا أعرف.
  • هل يوجد في حارتكم كلباً ليأتي ويرعى الجرو؟ أرجوك يا قلبي، لننقذ هؤلاء المساكين. لنسأل هنا وهناك ونبحث عن كلب..
  • حسناً، نبحث.
  • لنبحث الآن.
  • لدي شغل الآن، مستحيل.
  • وهذا أيضاً شغل، إنه ثواب.
  • اليوم ليس لدي وقت لأحكّ رأسي.
  • ومتى نبحث؟
  • لدي أعمال ضرورية، حتى ليس لدي وقت أقرر فيه متى.
  • إنها ليست مضيعة للوقت، إنها..
  • عندي شغل ينوفك آغا.
  • إنه أمر لا يؤجل.. سوف أعطيك واحداً منهم.

يقول الزبون:

  • سوف أعود بعد ربع ساعة. ويخرج من المحل.

فتتحسر وحدك:

  • أوف أوف أوف..
  • عليك أن ترى الجرو، إنهم مثل الشياطين.
  • نعم.
  • لنقرر وننهي الأمر.
  • نعم.
  • ألا تصح زجاجة الرضاعة؟
  • لا.
  • يجب العثور على كلب.
  • نعم.
  • لا يوجد حل آخر.
  • لا يوجد.
  • وهل هناك حل؟
  • لا.
  • إن كان هناك، قل.
  • لا يوجد، ينوفك آغا، لا يوجد، لا يوجد.
  • هل غضبت؟
  • لم أغضب، ولكن..
  • لا يحق لك أن تغضب، أنا لست خادمك، ولا أنتظر أي ربح منك، شربت القهوة، إن أردتَ أدفعُ لك قيمتها وأهلاً وسهلاً.
  • لا..
  • أنا أعلم أنك تحب الكلاب لذلك أردت أن أهديك واحداً، وبدلاً من أن تشكرني ترفع من شأنك.
  • لا، ينوفك آغا.
  • ليس كل طير يؤكل لحمه، تعلّم هذه إن كنت لا تعرفها.

ويخرج ينوفك آغا غاضباً.

وأنت تنتظر عودة زبونك.

يعود زبونك بعد ثلاث ساعات.

  • اليوم لا أملك المال، سوف آتي بعد عدة أيام لأشتري البضاعة، إلى اللقاء.
  • تعال، أين تذهب.. لدي كلمة، لحظة.. انظر إلي.. يا آغا.. يا أفندي.. يا صديق.. ألن تأتي، تعال واذهب من جديد، لن نأكلك.

وهل هو مجنون ليعود؟

وللأسف تشعر أن زبونك اتفق مع تاجر آخر وفي ظروف مُرضية أكثر. تغضب من كاتبك قليلاً، ثم تبدأ بلفّ الشتائم على رأس ينوفك آغا.

*هاكوب بارونيان (1843-1891) من رواد الأدب والمسرح الساخر في أرمينيا، وأحد وجوه الأدب الكلاسيكي الأرمني في السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر. أسس النثر والمسرح الواقعي في الأدب الأرمني الغربي.

لقد طرح الى جانب المسائل السياسية العديد من المسائل المتعلقة بظواهر الحياة الاجتماعية. لقد احتل موضوع الجوانب السلبية من الحياة الأخلاقية في المجتمع آنذاك حيزاً كبيراً في إبداعات بارونيان الذي ينتقد بشدة الطبائع المتجذرة في حياة الأغنياء والطبقة الوسطى.

Share This