كتاب “تاريخ غيفوند”، المؤرخ الأرمني من القرن 8 ميلادي (8)

 

الفصل الثاني والعشرون

بعد ذلك، جمع مروان بن محمد قوات كبيرة واصطحب الأمير آشوت والأمراء مع فرسانهم واجتاحوا بلاد الهون وقاوموا المدينة (99) واتنتصروا على حاميتها ثم قاموا باحتلالها. وعندما رأى سكانها انتصار الأعداء عليهم واحتلال مدينتهم، رمى العديد منهم مقتنياتهم في قاع البحر وقفزوا وماتوا غرقاً. أسر جيش الإسماعيلي بقية السكان وحمل معه الغنيمة وعاد مروان مع الأمير آشوت من جهات بلاد الهون بنصر كبير وغنائم لا تحصى. وعندما وصل إلى مدينة بردعة التجارية ، أفرز خمس الأسرى والغنائم (100) وأرسلها إلى الأمير هشام يخبره بالنصر.  أما هو، وبعد الحصول على هدايا الغنيمة، شكر مروان وقواته شكراً جزيلاً وأنّب شقيقه مسلم مستشهداً بانتصار مروان البطولي. فرد عليه هذا قائلاً: “لم أكن أحارب الناس، بل الرب”. وزّع مروان بقية الغنائم والأسرى على أفراد جيشه وخصص قسماً لآشوت وغيره من الأمراء الأرمن المحترمين وقدم لهم الخدم والخادمات (101). أما هو، وبعد الاستيلاء على بلادنا، نهى جميع أشكال الهجمات والقائمين بالظلم واللصوص وأعدمهم على خشبة بعد تهشيم أطرافهم: اليدين والرجلين.  وبعد أن عاش هشام مدة 19 سنة توفي.

الفصل الثالث والعشرون

خلفه فليت (الوليد-المترجم) الذي حكم سنة ونصف.

كان هذا قوي البنية ومغرماً بالمصارعة. وعندما كان يعلم أن هناك شخصاً باسلاً، كان يرسل لإحضاره كي يختبر قوته. وخلا ذلك، كان يمضي معظم وقته في حياة السكر والشبق المطلق مع النساء. وعندما رأى الأمراء من بني قومه أخلاقه الفاسدة وشبقه المقرف، استشاروا علماءهم من الأئمة الذين يقرأون القورا (102) حول ما يعتقدون. ورد هؤلاء: “بما أنه أهان كرامة دولتنا ولم يتبع سنن كتابنا وعاش حياة شبق مقرفة فإنه يستحق الموت، فليمت”. لذلك، قام هؤلاء، بناء على أوامر استلموها من القورا، ودخلوا إلى قصره ووجدوه مخدّراً بسبب السكر وقتلوه بالسيف وعينوا شخصاً يدعى سليمان عوضاً عنه ينتمي إلى السلالة الملكية ذاتها.

الفصل الرابع والعشرون

أما مروان، فعندما علم بوفاة أميرهم الوليد، جهّز جيشه على وجه السرعة وترك مسلم بن إسحاق في بلادنا أرمينيا وسار بجيشه الجرار لمحاربة شعبه ثأراً بسبب اغتيال الوليد وابنه وجذب إلى صفه بعض أقرباء المقتولين وجمع الرجال منهم إلى طرف أبناء إسماعيل الآخرين وتوحدوا وشكلوا جيشاً كبيراً وساروا وعبروا نهر الفرات. التقى (الطرفان) قرب حدود دمشق في منطقة تدعى روسبا (الرصافة، رصافة هشام-المترجم) وسددوا لبعضهم ضربات قوية لأيام عديدة. وعندما أمسى النهار ليلاً وأصبح وقت الصلاة، توقفوا عن القتال وبدأوا بالنواح على قتلاهم. وكانوا يجمعون الجثث ويدفنونهم قائلين لبعض: “إننا أمة واحدة وإخوة بلغة ودولة واحدة لماذا نقتل بعضنا بعضاً بالسيف؟”. لكن، استمرت الحرب بينهما في اليوم التالي وطالت. انتصر مروان على الآخرين وقتل سليمان وصعد على الحكم مدة 6 سنوات.

لم تتوقف المعارك بين أبناء إسماعيل طوال حكمه لأن مروان طوّق مدينة دمشق وحطم بواباتها الحديدية. وكانت هذه القوات تضغط رجال المدينة، أبناء إسماعيل، بين 4 ألواح خشبية وينحتون وجوههم بآلات النجارين الحادة وينهون حياتهم بتلك الوسائل المأساوية. كذلك، كان هؤلاء الجنود يشقون بطون النساء الحوامل ويضعون الأطفال الذكور داخل الجدران ويرفعون المداميك الحجرية أمامهم فيفطسون بتلك الطرق المحزنة. أما الفتيات، اللواتي لم يعرفن فراش الرجال حتى ذلك الوقت، قام الجنود بأسرهن أيضاً مع جموع السكان الكبيرة لأن ثأر الرب كان قد وصل إلى المدينة بسبب تكرار شرور سكانها العديدة. وتحققت هنا نبوءة عاموس الذي قال: “هكذا يقول الرب حول زندقات دمشق الثلاث. أما بالنسبة للزندقة الرابعة، فإنني لن أتراجع عن العقاب لأنهم قاموا بتقطيع أجساد الحبالى بالمنشار الحديدي. سأُرسل حممي لبيت أدائيل وأدمر أساسات عائلة أبناء آدر. سأهدم متاريس دمشق ومزاليجها وأقوم بإفطاس سكان وديان عون وأُبيد جميع رجال شعب حرّان بالكامل وأسر الأمة السريانية المختارين”. في الحقيقة، وصل ثأره بالدمار من قبل سكان حران حسب صوت النبي.

لكن، هل يستحق أن نتساءل لماذا قسّم النبي جميع أشكال الزندقة والكفر إلى ثلاثة أقسام ويعتبر الرابع (فقط) سبب غضب الرب الأصلي؟ يبدو لي، أن مدينة الزنادقة كانت مليئة بالأشرار من كل نوع لأنهم كانوا يقومون (بأعمال) القتل والنهب والشبق ودب في أفكارهم وإحساساتهم وقلوبهم الفساد وقاموا بمثل هذه الأفعال النابعة من الشر. أما (الزندقة) الرابعة، فإنهم لم يرتعدوا من زيارة الرب لهم فحسب، بل كانوا ينسبون إليه سبب شرورهم وهو ينبوع جميع أشكال الخير. هذا هو سبب تحوّل رحمة الله الحلوة إلى سخط ضد الزندقة.

 

الفصل الخامس والعشرون

بينما كانت الاضطرابات المقلقة  مستمرة بين أبناء إسماعيل بسبب الحرب المشؤومة، تحرر أبناء سمبات من (حال) الأسر لأن الوليد كان قد أمر بإخراجهم من السجن. ولكن، وقبل وصولهم إلى سوريا، قُتل الوليد فاحتُفظ بهم هناك ولم يسمحوا لهم بمغادرة تلك البلاد. وعندما استمرت الحرب بينهم (العرب)، أُعتقوا من الأسر للعودة إلى أرمينيا. وحين وصلوا إلى بلاد الأرمن، اتجهوا إلى أطراف باسفرجان بعد مدة قصيرة وقاموا بانتهاكات وسببوا اضطراباً كبيراً في البلاد وضايقوا الشعب بضرائب جائرة لدرجة وصلت شكوى بلادنا إلى القائد (الحاكم) إسحاق بن مسلم الذي منعهم من اقتراف هذه الشرور والآثام.

لكن، عندما رأوا مخرج القتال، عادوا إلى معارضة حكم آشوت ثانيةً بتدبير المكائد ضده في كل حدب وقاموا بمهاجمته ليلاً عندما كان يستريح، وخاصة أنه كان قد نشر قواته في مختلف المقاطعات، فعزموا على قتله إلا أن الحراس شعروا بذلك وقاموا بتحذيره من العدو الذي يقترب ففر وأنقذ روحه من السقوط بين أيديهم. اكتفى هؤلاء بغنيمة كنوز الأمير آشوت الكبيرة فتوقفوا عن ملاحقته فأيقن بخيانتهم، وخاصة أنهم كانوا يضمرون الثأر منه أثناء السلم، وتحاشاهم بعض الوقت. ثم قام بتوطين زوجته وعائلته مع ما يملك في حصن داريونك وعيّن حراساً لحمايته واتجه هو نحو سوريا لمقابلة الأمير الإسماعيلي مروان كي يروي له خلافاته مع الأمراء.

حازت قوات مروان على نصر كبير ودُمر الأعداء بعد وصول بطريق الأرمن لمساعدته بقوات فرسانه المدربة جيداً التي يصل عدد عناصرها إلى 15,000 فارس. وعندما سمع معارضو مروان ذلك، دب اليأس في أفئدتهم وتعرضوا لانكسار كبير في ذلك اليوم وتعبوا من القتال فنالوا قسطاً من الراحة.

بينما كان الأمير آشوت في سوريا في ذلك الوقت، عيّن ابن مسلم كريكور ماميكونيان، من سلالة الماميكونيانيين، قائداً لجيش الأرمن عوضاً عن الأمير آشوت. أما مروان، وبعد أن علم بالتهمة الموجهة إلى أبناء سمبات ومعاملة كريكور لشقيقه دافيت، بعث رسولاً لإسحاق بن مسلم، الذي كان حاكم بلادنا أرمينيا، وأمره باعتقال دافيت وتسليمه لشخص يدعى عقبة كي يقاضيه كما أُمر. أما هو، فلم يتماهل بل استدعاه على وجه السرعة بمكر واعتقله وسلمه ليد الجلاد غير الرؤوم الذي كبّله بأصفاد مُرة وأبقاه نزيل السجن بضعة أيام ثم كتب إلى مروان ينتظر أوامره. أمر (هذا) بتهشيم أطرافه العليا والسفلى وإعدامه بتعليقه على لوح خشبي. هكذا كانت وفاته المحزنة المعيبة لأنه لم يكن مقبولاً من قبل الرب الحقد الذي يكنونه ضد بعضهم. وكما يُقال: تقدّم البذور الشريرة ثماراً شريرة.

عندما نُفذت هذه الشرور، قام مروان بإعادة تثبيت آشوت في الحكم وأرسله إلى بلاد الأرمن بتكريم وإجلال. ورغم ذلك، لم يكفّ كريكور عن تأجيج العداء ضد شقيقه لقتله ثأراً. وبسبب الخوف الذي يكنه تجاه المستبدين، كان كريكور على علاقة هادئة مع شقيقه آشوت ظاهرياً لا من قلبه لأنه لم يتأقلم مع استلامه لمقاليد حكم البلاد وكان يتحين الفرصة المناسبة لتحقيق مأربه.

الفصل السادس والعشرون

في ذلك الوقت، وعندما كانت الحرب لا تزال مستعرة بين بعضهم (العرب)، فكّر جميع أمراء بلادنا في رمي وزر الطاعة جانباً والثورة ضد الإسماعيلي والانعتاق من حكمه. قدّم كريكور من عائلة الأمراء الماميكونيانيين هذه النصيحة وقام بحبك هذا المكر بهدف اغتصاب السلطة من آشوت. أما جميع أمراء أرمينيا، فقد حضروا عند الأمير آشوت لإقناعه بدعمهم والانضمام إلى النصيحة التي لا فائدة ترجى منها. وعندما أدرك الأمير وحدة الأمراء مع فرسانهم وانجرافهم نحو نصيحة غير نافعة، تماهل ودعا كل أمير على حدا راجياً مطولاً وبكلمات شتى عدم المبادرة في مثل هذا العمل الأثيم قائلاً: “أيها الإخوة! لا أجد تبصّراً في هذا العمل غير الحكيم سوى نصائح غير سوية وكلمات عديمة النفع. إن قواتنا قليلة لمقاومة استبداد إسماعيل وليس بوسعنا دحر قواته وإنقاذ بلادنا من فم التنين بل ستعرضونها إلى عذابات وأخطار فقط. فإنْ رغبتم بقبول نصيحتي، لا تقوموا بذلك وادفعوا الجزية لهؤلاء كالسابق وحافظوا على أموالنا وحقولنا وغاباتنا وأراضينا (103)”. إلا أن أمراء أرمينيا لم يقبلوا بهذه النصيحة الحكيمة وعارضوه قائلين: “إنْ لن تتوحد مع قرارنا، فلن يبقى أحد في جيشك ولن نهمل الاضطرابات التي تعم في بلادنا أرمينيا”. لذلك، أُكره الأمير آشوت على الموافقة والاتحاد مع كريكور وغيره من الأمراء وقام الجميع بعقد حلف بالقسم على الصليب الرباني للحفاظ على محبة الوحدة بإخلاص.

عندما قاموا بالتصديق على هذا العهد، ابتعدوا عن قائد بلادنا وتمركزوا في تحصينات تايك مع جميع عائلاتهم وما يملكون ووجدوا ملاذاً لهم عند قوات ملك الروم على أطراف بونتوس بسبب عهد سلام بينهم بأمر الإمبراطور قسطنطين. وانضم جميع أبناء الخطيئة (104)، الذين لم يعرفوا مخافة الله والأمراء واحترام الكهول، إلى هؤلاء العصاة وقاموا باجتياحات كغرباء وأسروا إخوانهم وأبناء أمتهم وعرضوهم للتعذيب بالنبّوتات. لذلك، ندم الرب بسبب رحمته وفرّق وحدتهم فابتعد الأمير آشوت عنهم مباشرة ووصل إلى قرية هازر في مقاطعة باكريفاند للانضمام إلى أبناء إسماعيل. عندئذ، أعلم الأمراء المصاحبين له كريكور الشرير بخبث حول تلك النية. ولكي يفلح هذا في تنفيذ مؤامرته، التي خطط لها منذ وقت بعيد، شكّل جيشه على وجه السرعة وقام بملاحقته وتقدم عبر الجبال كالغربان. وعند حلول المساء، طوق مكان استراحته بعد أن علم بتردد جيشه وقبض عليه وسلمه إلى دافيت الذي أمر بحرمانه من ضوء عينيه. فقَتَمَ فَخَار بلادنا ولفّ الحزن العميق ليس شخصه فحسب، بل أمراء سلالته أيضاً. وبعد إعلامهم بالأمر، لم يتمكنوا من مساعدته بأي شكل كان، بل كانوا ينتحبون بصوت عال لأن إكليل فخارهم كان قد سقط ودُمر وزالت عزة أمتنا الأرمنية.

أما كريكور الحانث بالعهد، وكأنه عائد من عمل بطولي قام به، اتجه إلى مدينة كارين (قاليقلا عند العرب وثيودوسيوبوليس عند الروم-المترجم) وأعلن عن بشارة نصره في كل الاتجاهات. وبعد أيام عديدة، وصلته دينونة الرب بشكل يليق بأفعاله فانتفخ بطنه وآسى من آلام مبرحة وتوفي بعذاب أليم دون ترك أية ذكرى فنصّبوا شقيقه موشيغ عوضاً عنه لكن لفترة قصيرة.

حكم آشوت مدة 17 سنة ممجداً أكثر من جميع الأمراء السابقين لكنه اصطدم بهذا المكر التآمري واستمر على الحياة بعد ذلك مدة 13 سنة وتوفي في سن الشيخوخة ووضِع في لحده بإجلال ودُفن في مقبرة (سلالته) في قرية داريونك.

الفصل السابع والعشرون

لنعد ثانية لسردنا القديم للتاريخ.

بينما كان الأمير الإسماعيلي مروان يحارب أمته، شب حريق معنّد في الجهات الشرقية من بلاد خرسان. وعندما رأى جميع أمراء أبناء إسماعيل أن الاستبداد، الذي لا يمكن القبول به زاد من بني قومهم، حاولوا إيجاد وسيلة خلاص لأنفسهم. والعديد منهم، الذين كانوا من عائلة مشرّعهم، هربوا بدورهم إلى بلاد خرسان وظلوا مختبئين هناك بعض الوقت. وبعد توحيد قوات خرسان، قاموا بتعيين قحطبة وشخص يدعى أبو مسلم (105) قائداً للجيش. وكان هذا الأخير داهية في شيعة التنجيم. وبعد توحدهم، قاموا باغتيال حاكم البلاد وضموا جيشه وجموعاً فوضوية كبيرة إليهم كانت غاضبة من استبداد الجباة الذي لا يطاق ثم قاموا بمهاجمة مناطق آشور. اتجه جيش مروان ضد تلك الجموع لكنه لم يفلح في مقاومتها لأن دمار حكمه كان قد تقرر من قبل الرب فقُتل العديدون ولاحقوا قوات عبد الله (106)، الذين يسمون بأبناء هشام، وعبروا نهر دجلة. وبعد إخضاع مدن عديدة، قاموا باحتلالها وانكسرت جميع القوات، التي كان يبعث بها مروان ضدهم، وأُبيدت (107) وأدخلوا الجميع ضمن طاعتهم حتى معسكر الطاجيك الكبير في أكوغا (108).

أما سكان أكوغا والبصرة، وعندما أيقنوا بقوة هؤلاء، قاموا بدعمهم والانضمام إلى جيشهم. وعندما رأى مروان ذلك، اضطرب كثيراً وشرّع أبواب الكنوز الملكية ووزعها على قواته وتسلّح وانخرط في المعركة مع جموع قواته وقام ضدهم. وعندما وصل الجيشان واصطفت كتائبهما أمام بعض، انفجرت المعركة وجُرح العديدون وانتشرت جثث لا حصر لها على ساحة المعركة التي استمرت بين الطرفين حتى نهاية العام. حلّ ثأر الرب على مروان في نهاية السنة السادسة من حكمه يطالبه بالتعويض عن دماء بني قومه الغزيرة لأنه كان سبب إهراقها. تعززت قوات عبد الله وهاجمت مرواناً بشراسة ووصلت إلى معسكره ومات العديدون تحت ضرباتهم الشديدة. ويقال أن عدد الفرسان الذين قُتلوا كان 300,000 فارساً وكانت الدماء تسيل كالجداول وسببّ بخار دمائهم تشكل الضباب وأظلمت الدنيا كثيراً. ثم وصلت هذه القوات إلى معسكر مروان وقتلته.

هكذا، وبعد اقترافه لجميع هذه الشرور طوال 6 سنوات: جلجلة الحروب واحتلال المدن وإهراق الدماء، توفي.

الفصل الثامن والعشرون

حكم عبد الله عوضاً عنه (109) وبعث شقيقه كي يطوف في جميع البلدان التي يحكمها.

جاء هذا إلى بلاد الأرمن أولاً وعذب الجميع وسبب لهم آلاماً لا تحصى وساد الفقر المدقع وخاصة أنه طالب بجزية ثقيلة حتى عن الأموات. وكان يعذب جموع الأيتام والأرامل ويضرب الخوارنة وخدّام هيكل الرب بالعصي ويعذبهم كي يقرّوا بأسماء المتوفين وعائلاتهم. وكان يعذب سكان البلاد ويستبد بهم عند جباية الجزية أيضاً ويفرض نقوداً فضية بمبلغ كبير على كل رأس (110) ثم يضع خاتماً من رصاص على رقبة كل واحد منهم.

أما عائلات الأمراء، فقد كانت تقدم الهدايا مكرهةً إلى جانب الجزية المفروضة (111): خيولاً وبغالاً وثياباً ثمينة كذلك كنوزاً ذهبية وفضية كي يتمكنوا من سد فم التنين الذي هاجم البلاد كي تسوء أحوالها. وبعد إشباع معدته الشريرة، التي لا تعرف الشبع، انتقل إلى نواحي الفرس والماريين حتى بلاد خرسان ومن هناك إلى مصر وبلاد بينتابوليس وإفريقيا. وكان في كل مكان يحلّ فيه يرمي رغبته في النهب الجشع كشباك يصطاد بها حاجات الناس الحياتية إلى درجة تسميته من قبل بني جنسه بالذات بـ “أبي الدراهم”. وكما يقال، كان يمجد النقود أكثر من الرب. وعندما ابتعد عن البلاد، عين أُسيّد بن يزيد قاضياً وجابياً (112) على بلادنا أرمينيا.

عين يزيد إسحاق بن باكرات (113)، من عائلات الأمراء الأرمن وسلالة الأمير آشوت، أميراً للبلاد فقد كان ابن عم هذا الأخير. وكان هذا شخصاً بهي الطلعة طويل القامة وشريفاً وتقياً يعرف مخافة الله وكان يقود الجيش مكرهاً بسبب صعوبات المعارك وخاصة أن جيش أرمينيا لا يستلم المرتبات التي كانت تصل من البلاط (من الخلفاء العرب التي تبلغ 100,000 درهماً فضياً سنوياً-المترجم). لذلك، كان يطلب المبلغ ذاته من الأمراء الذين كانوا مكرهين على تسليح مليشياتهم والإنفاق عليها بوسائلهم الخاصة.

بعد أن أنهى عبد الله السنة الثالثة لحكمه توفي واستلم الحكم شقيقه عبد الله الآخر (114) الذي حكم مدة 22 سنة.

شروحات:

(99) المدينة التي لا يذكرها غيفوند يجب أن تكون فاراتشان (بالانجار) ومن المحتمل ساماندار على ضفة بحر قزوين. يذكر المؤرخ الأرمني فاردان أن مروان اتجه نحو مدينة فاراتشان البيزنطية. بالمناسبة، تسمى المصادر الأرمنية الخزر بالهون. ولكن، ورغم أواصر القربى بينهما، إلا أنهما قبيلتان مختلفتان.

(100) بناء على التشريع الإسلامي، يعود خُمس الغنائم الحربية إلى الخليفة ويوزع الباقي على المحاربين.

(101) يُستخدم الأسرى من ذكور وإناث في الغنيمة في أعمال البناء والأعمال البيتية وغيرها. وكانت العبودية منتشرة جداً في الخلافة ويصل عدد العبيد إلى مئات الآلاف وخاصة في مناطق ما بين النهرين وسوريا ومصر. أما في أرمينيا، فقد كان عددهم قليلاً ولم تكن الأعمال الخاصة بالعبيد منتشرة.

(102) “قُرّاء” كلمة عربية تعني الذين يقرأون القرآن أي الشيوخ العلماء.

(103) تكرر هذا التعبير مرة أخرى لدى غيفوند ويصف أنواع إقطاعيات الأمراء.

(104) يُعتقد أن تعبير “أولاد الزنى” له معنى خاص ويعود لشيعة التوندراكيين الأرمن.

(105) كان أبو مسلم 727-755م زعيم الثورة التي نشبت ضد الأمويين في خرسان في عام 747م. وخوفاً من تعاظم مكانته يوماً بعد آخر، عيّن إمام العباسيين إبراهيم القائد قحطبة قائداً لقوات الثورة. احتل الثوار جميع مناطق فارس بين 747-749م وفي معركة الزاب الكبير في عام 750م سددوا ضربة فاصلة للأمويين وتحولت السلطة إلى العباسيين. ظل أبو مسلم حاكماً على خرسان إلا أن الخليفة المنصور أمر باعتقاله وقتله في عام 755م.

(106) الشقيقان المؤسسان للخلافة العباسية، اللذان تعاقبا في حكم الخلافة، يحملان الاسم ذاته وهو عبد الله: يُعرف الأول بأبي العباس 750-754م والثاني بأبي جعفر المنصور 754-775م. ويُفرق المؤرخ غيفوند الثاني عن الأول بقوله “عبد الله الآخر”.

(107) إن تحطيم مروان قرب دجلة يُعنى به المعركة قرب رافده الزاب الكبير التي جرت في شهر كانون الثاني عام 750م.

(108) أكوغا هي مدينة الكوفة في منطقة ما بين النهرين حيث أعلن العباسيون عن قيام حكمهم. وتنحدر هذه الكلمة من الكلمة السريانية أكولا.

(109) للمؤرخين الأرمن كرونولوجية خاصة حول الخلفاء العرب تحتاج لمزيد من البحث. غيفوند هو أول المؤرخين الأرمن الذي قدم الجدول التالي بدءاً من الرسول محمد تحت اسم أمير المؤمنين.

     الاسم                              عدد سنوات الحكم

ـ الرسول محمد                               20

ـ أبو بكر وعمر وعثمان                      38

ـ معاوية                                      19 سنة و4 أشهر

ـ يزيد                                        2   سنة و5  أشهر

ـ عبد الملك                                  21 سنة

ـ وليد                                        10 سنوات و8 أشهر

ـ سليمان                                     2 سنة و8 أشهر

ـ عمر                                       2 سنة و5 أشهر

ـ يزيد                                       6 سنوات

ـ هشام                                      12 سنة

ـ وليد                                       1,5 سنة

ـ سليمان                                      ــ

ـ مروان                                    6 سنوات

ـ عبد الله                                   9 سنوات

ـ عبد الله الآخر                            22 سنة

ـ محمد المهدي                             8 سنوات

ـ موسى                                    1 سنة

ـ هارون                                     ــ

يتكرر هذا الجدول ذاته لدى المؤرخين الأرمنيين الآخرين توما أردزروني وستيبانوس تارونيتسي أصوغيك. وبمقارنة هذا الجدول مع جدول المؤرخ البيزنطي ثيوفانس، نجد تطابقاً كبيراً بينهما.

(110) تحوي هذه الجملة معلومات هامة حول الجزية. فقد تم تطبيق مبدأ الجزية “عن كل رأس” عوضاً عن العائلة بكل شدة في عهد العاسيين كما نرى. وقد جرت العادة حتى بدايات القرن 8 م

أن يضع العباسيون خاتماً من رصاص على رقبة كل شخص دفع الجزية.

(111) الهدية كانت عملياً شكلاً آخر للجزية. يذكر الجغرافي العربي ابن حوقل “الهدية” بين الجزية التي كانت أرمينيا تقدمها. وخلا الجزية الرسمية، كان على الأمراء الأرمن تقديم أشياء نفيسة تحت هذه التسمية.

ـ ابن حوقل، الجزء 2، ص 354.

(112) كان يزيد بن أُسيّد السّلّمي 752-754م قائد ومسؤول الجباية في أرمينيا.

(113) ساهاك بقراتوني 753-770م كان أمير الأرمن. يروي المؤرخ السرياني ديونيسيوس تل محري عنه قائلاً: “كان بطريق أرمينيا الكبرى ويملك ثروات هائلة فاغتصبت الخلافة منه 100,000 عبداً. قام ضده أعداؤه وقتلوه.

ـ ديونيسيوس تل محري، ص 148.

(114) “عبد الله الآخر” هو أبو جعفر المنصور 754-775م ويعرف في تاريخ الخلافة العربية أنه الأكثر استبداداً ولكنه عزز أركان الخلافة الفتية بلجوئه إلى أقصى الشدة ويعتبر من نماذج الحكام المكيافيلليين: قتل عمه عبد الله، الذي كان بطل معركة الزاب الكبير، ثم اغتال أبا مسلم الذي بفضل كفاحه وصل العباسيون إلى السلطة. بعد ذلك، أخضع حركة الشيعة الذين كانوا يعتبرون العباسيين حكاماً غير شرعيين. قام أبو جعفر بعد ذلك بإخضاع الحركة التي ظهرت في خرسان في عام 755م دفاعاً عن قضية أبي مسلم. ثم أزال الحكم شبه المستقل في طبرستان وأخضع ثورة عام 774-775م في أرمينيا بشراسة كبيرة. وكانت الأندلس مستقلة في عهده بفضل حكم فرع من عائلة الأمويين. صعّد المنصور الكفاح ضد بيزنطة وحصّن مدينة ميليتينيه (ملاطية-المترجم) في أرمينيا الصغرى وماسيسا (مسيس) في كيليكيا. ولتثبيت أركان الدولة، قام أبو جعفر بخلق منصب الوزير وأسند هذه المهمة للبرامكة الفرس. وكان أولهم يدعى خالد فقد كان والده برمكاً أي رجل دين بوذي. وكان دور هؤلاء الوزراء كبيراً في ازدهار اقتصاد الدولة العباسية وثقافتها. وفي عهده أيضاً، تأسست مدينة بغداد العاصمة الجديدة في عام 762م واستمرت على الحياة حتى يومنا.

Ph.Hitti, History of the Arabs, p.290-294.

ـ ي. بيلياييف، العرب والإسلام والخلافة العربية، موسكو-1965، ص 213، بالروسية.

المصدر: “تاريخ غيفوند”، المؤرخ الأرمني من القرن 8 ميلادي، ترجمه عن الأرمنية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، حلب 2010، والتي ينشرها موقع (أزتاك العربي للشؤون الأرمنية) تباعاً.

 

Share This