مذابح الأرمن…الجريمة العثمانلية التي أوحت لهتلر بـ”الهولوكوست”

مذابح الأرمن…الجريمة العثمانلية التي أوحت لهتلر بـ”الهولوكوست”

 

أزتاك العربي- نشر موقع (عثمانلي) مقالة بعنوان (مذابح الأرمن…الجريمة العثمانلية التي أوحت لهتلر بـ”الهولوكوست”)، جاء فيها أنه بعنوان لاشك أن التاريخ سيظل يلاحق تركيا بما يحمله من آثام وكوارث من جراء الغزوات والحروب والصراعات وخاصة الاتهامات العالمية المتصاعدة لأنقرة، وتحميلها مسؤولية الجرائم البشعة في إبادة الأرمن إبان حكم الدولة العثمانية عام 1915.

فجريمة الإبادة التركية لنحو 1.5 مليون أرمني خلال أحداث الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، تعد واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في تاريخ القرن العشرين، ربما لا تتفوق عليها في الدموية إلا مذابح ألمانيا النازية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وفيما اعترفت الحكومات الألمانية المتعاقبة بجريمة الهولوكست ترفض حكومات أنقرة إجراء مصالحة تاريخية والاعتراف بإبادة الأرمن.

الصحافي البريطاني الكبير روبرت فيسك، سلط الضوء على مذابح الأرمن في مقال نشره على صفحات الإندبندنت تحت عنوان “جرائم الإبادة الجماعية انطلقت بعيدًا عن الوطن في كل من تركيا العثمانية وألمانيا النازية” الخميس الماضي، واتخذ من المقارنة بين مذابح الأرمن وجرائم النازية الألمانية بابا لتحليل عمليات الإبادة التي غزتها النزعة القومية المتطرفة في الدولة العثمانية وألمانيا تحت حكم أدولف هتلر، كاشفا عن تشابهات صارخة في الحالتين.

الأرمن والهولوكست

فيسك يرصد وفقا لوثائق متعددة الإحصاءات المرعبة لعمليتي الإبادة الجماعية الفظيعة الأرمنية والمعروفة في الأدبيات الأرمنية (الجريمة الكبرى)، والتي تسببت في هلاك مليون ونصف مليون شخص على يد العثمانيين الأتراك، والمحرقة اليهودية (الهولوكوست)، التي بدأت بعد أقل من ربع قرن، وأودت بحياة ما لا يقل عن ستة ملايين نسمة.

يؤكد فيسك أن التخطيط للإبادة في الحالتين جاء مبكرا ونتيجة إرادة واعية وتدبير مسبق، فالتخطيط لإبادة اليهود جاء في اللحظة التي عبر فيها الألمان الحدود البولندية في أول سبتمبر 1939، قبل سبعة أشهر مما حدث في فانسي حيث أقيمت المحرقة، وبشكل متطابق تم التحريض على قتل الأرمن في أول ديسمبر 1914، أي قبل تاريخ 24 أبريل 1915، والذي يحيى الأرمن ذكراه كل عام باعتباره بداية الإبادة الجماعية ضدهم، على يد التشكيلات المخصوصة العثمانية التي تعد المعادل الموضوعي لوحدات النخبة النازية (S.S).

يلفت الكاتب البريطاني الشهير الأنظار إلى أن الأتراك لم يقبلوا حتى يومنا هذا، الاعتراف بمسؤوليتهم عن هذه الواقعة، فيما أقر الألمان بأنهم مذنبون في التسبب في محرقة “الهولوكوست”، وسخر من التناقض في التعامل الغربي مع هذه القضية قائلا: “ما زلنا نسجل باحترام كيف أن الأتراك يرفضون بشدة الاعتراف عمليات الإبادة الجماعية للأرمن، فيما ندين الأوروبيين اليمينيين الذين ينكرون الإبادة الجماعية للنازيين لليهود”.

شهادات صارخة

فيسك استند على دراسة حديثة للمؤرخ التركي تانر أكتشام، والذي يعيش في منفاه الاختياري في أمريكا هربا من مطاردة نظام إردوغان، والذي أثبت أن قرار استهداف الأرمن تم اتخاذه بعد 31 يومًا من دخول الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى في 31 أكتوبر 1914، وأن المذابح الأولية استهدفت الرجال من الأسر الأرمنية فقط في مقاطعتي فان وبيتليس، لكن الجرائم سرعان ما امتدت لتطال النساء والأطفال.

استند أكتشام على أرشيف رئيس الوزراء العثماني غير المستكشف حتى الآن، نجد ولأول مرة، أمرًا سريًا من إدارة “أرضروم” إلى محافظي “فان” و”بيتليس” لاعتقال الأرمن المشكوك في أمرهم بأنهم قادة المتمردين أو أنهم قد يهاجمون المسلمين، ويطلب منهم “ترحيلهم إلى بيتليس على الفور حتى يتم إبادتهم”، وكان المسؤولون العثمانيون يستخدمون الكلمة التركية للإبادة “imha”.

في بعض القرى القريبة من بلدة باسكال، قُتل جميع السكان الذكور الذين تجاوزوا سن العاشرة. وبعد ذلك بشهرين، في فبراير 1915، أرسل نائب أرمني في البرلمان العثماني تقريرًا من فان إلى طلعت باشا، وزير الداخلية في حكومة الاتحاد والترقي، والذي سيكون مسؤولاً عن الإبادة الجماعية بأكملها التي يبلغ عددها مليون ونصف أرمني فيما بعد، يخبره بأن “المجازر تُنفذ في بعض القرى والبلدات في ضواحي باسكال وساراي”، ويتضح من ذلك أن المسؤولين العثمانيين المحليين كانوا يحرضون على الإبادة الجماعية، ثم يطلبون من القادة في اسطنبول الموافقة على قراراتهم.

واكتشف المؤرخ “أكتشام “، بحسب فيسك، أدلة على أن الحكام المحليين كانوا يسافرون في بعض الأحيان إلى أرضروم – حوالي 800 ميل من العاصمة العثمانية – لعقد اجتماعات مشتركة حول عمليات القتل والإبادة، ثم توصيل قراراتهم إلى طلعت باشا. أحدهم – قبل أيام فقط من بدء الإبادة الجماعية – سجل توجيهات من أرضروم إلى حاكم بيتليس لإرسال ميليشيات كردية للقضاء على الأرمن.

يعلق فيسك قائلا: “إن فهم القادة المحليين للطبيعة الإجرامية لأفعالهم – والأدلة الواضحة على أن طلعت باشا كان مدركًا تمامًا لطبيعتهم الإجرامية – ينعكس في التعليم المستمر بأن برقياتهم (سرية للغاية)، و (يتم فك شفرة من خلال المستلم فقط)، وذكرت أحد البرقيات أن نسخة الإدارة المحلية قد احرقت على الفور، و(يرجى التأكد من أن إسطنبول تحرق نسختها).

نية مبيتة

في 17 نوفمبر 1914، بعد أسبوعين بالكاد من انضمام الدولة العثمانية إلى حلفائها الألمان والنمساويين في حربهم ضد بريطانيا وفرنسا، وقبل وقت طويل من التاريخ الذي كان يُعتقد سابقًا لبدء الإبادة الجماعية – كتب حاكم أرضروم “تحسين باشا”، إلى وزير الداخلية طلعت باشا، أن الوقت قد حان لـ”اتخاذ القرارات والأوامر الحاسمة فيما يتعلق بالأرمن”.

وأجاب طلعت بمكر بأنه “يجب على تحسين باشا تنفيذ ما يتطلبه الوضع حتى يتم إصدار أوامر محددة فيما يتعلق بالأرمن”، وكما كتب المؤرخ أكتشام في مقاله في عدد هذا الشهر من مجلة أبحاث الإبادة الجماعية، فإن إسطنبول كانت “تعطي الضوء الأخضر لأرضروم لتنفيذ أعمال العنف لاحقًا”، وفي نهاية شهر نوفمبر من عام 1914، كلف طلعت باشا، حاكم مقاطعة “فان” سيفيديت باشا، بأنه “حتى يتم إصدار أوامر حاسمة، من الضروري تنفيذ الإجراءات التي يتطلبها الوضع، لكن يجب أن يتم تنفيذها بحكمة”.

يشيد روبرت فيسك في مقالته بشجاعة أكتشام وعدد قليل من زملائه، بالاعتراف بعمليات القتل الجماعية للأرمن بأنها جرائم “إبادة جماعية”، حيث اقترح المؤرخون أن ترحيل الأرمن ومن العاصمة العثمانية، ومن ثم قتلهم، قد يكون بسبب عمليات الهبوط التي قام بها الحلفاء في “جاليبولي” في الأسبوع الرابع من أبريل 1915، قبل ساعات قليلة من اعتقال أول الزعماء الأرمن في إسطنبول، أو بالهزيمة التركية في معركة “ساريكاميش” في “يناير” 1915.

لكن الإشارة إلى أن عمليات القتل الجماعي لمليون ونصف شخص قد تمت في وقت قصير للغاية أمر مثير للسخرية، بحسب فيسك، على سبيل المثال، أبلغ حاكم “ديار بكر” حاكم إسطنبول عن خططه قبل أسابيع من “جاليبولي”، معربًا عن رأيه “سيكون من الجيد… تنفيذ ممارسات قاسية وفعالة حسب الضرورة ضد الأرمن”.

وفي “سيفاس”  كان لا يزال يساور الحاكم “معمر” القلق على ما يبدو من أن عمليات القتل في منطقته لم يصرح بها رسميًا، وكتب الحاكم معمر إلى إسطنبول في برقية في 29 مارس 1915 بأنه “إذا تم اتخاذ قرار من قبل الحكومة المركزية، من شأنه أن يكفل الإبادة الجماعية المنظمة، أطلب منكم الاتصال الفوري دون تأخير”. وأشار حكام آخرون إلى “إبادة” الأرمن و”تنفيذ إجراءات الإبادة”، لذا لم تكن بداية الإبادة الجماعية للأرمن في ديسمبر 1914 بمثابة مفاجأة للسلطات في إسطنبول، وبالتأكيد ليس لطلعت باشا المسؤول الأول عن هذه المذابح.

اتخاذ قرار الإبادة في “أرضروم” كان مسؤولية بهاء الدين شاكر، رئيس “التنظيمات المخصوصة” والرجل الذي يعتبر إلى حد كبير مهندس الإبادة الجماعية للأرمن. لكنه كان هو نفسه عضوًا باللجنة المركزية لحزب الاتحاد والترقي الحاكم ووصل إلى أرضروم قادمًا من إسطنبول، ربما وجد طلعت باشا أنه من المناسب البدء في الإبادة الجماعية – أو إعطاء المشروع عملية تجريبية – بعيدًا عن العاصمة والسفراء الأجانب، وخاصة الأمريكيين الذين سيكشفون علانية عن المذابح اللاحقة للعالم أجمع.

ومن غير المعروف السبب من سبب قيام موظفي الأرشيف العثمانيين بإنتاج الأوراق التي تدين طلعت باشا، فاكتشاف البرقيات الأخرى من المحافظين المحليين مرة أخرى في الأرشيف العثماني حيث يتم استخدام مصطلح “إبادة” الأرمن بشكل صريح، “اكتشافات مذهلة”، “لا أعرف لماذا أتاحوا هذه الوثائق للباحثين”، يعلق فيسك.

من المؤكد أن المؤرخين يدحضون الفكرة – التي تم نشرها على نطاق واسع من قبل منكري الإبادة الجماعية الأتراك – بأن عمليات الترحيل والقتل الأرمنية حدثت عندما كانت الدولة العثمانية تواجه صعوبات عسكرية خطيرة واحتمال خسارة الحرب، لكن الوثائق تثبت أن إبادة الأرمن تمت قبل وقت طويل من تعرض الدولة العثمانية لأي لخطر.

إن المذابح المبكرة للأرمن في أقصى شرق تركيا – قبل وقت طويل من شعور المجتمع الأرمني في إسطنبول بالتهديد – تماثل بشكل مثير تجربة اليهود في فيينا عام 1938 عندما قام النازيون بدمج النمسا لدول الرايخ الثالث.

تابع هتلر تاريخ المذابح الأرمنية عن كثب وكثيراً ما أشار إليها في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية. وحسدت ألمانيا النازية الأتراك على “تطهير” العرق الأرمني، وشهد الدبلوماسيون الألمان في إسطنبول خلال الحرب العالمية الأولى عمليات الترحيل الأرمينية في مدن بعيدة عن إسطنبول، لقد كان درس العثمانيين في الإبادة هو النموذج الذي سار عليه النازيين فيما بعد.

Share This