صوت الضّمير

  ناتالي كندرجيان

  أبصرت النّور في منتصف السّتينات في مدينة بيروت، في عائلة أرمنيّة. أجدادي هم من الأرمن الذين عاشوا الإبادة الجماعيّة وعانوا الطّغيان التّركي. وكانت قصص جدّتي هي تلك القصص التّي تدور أحداثها في الصحارى لقوافل عائلات أرمنيّة ذاهبة إلى مصير البؤس والتّهجير والتّشرّد.

أمّا طفولتي فكانت هادئة مرحة وكانت بيروت تعيش أحلى أيّامها. وعندما بلغت العاشرة من عمري بدأت الحرب اللّبنّانيّة وتعرّضنا للقصف والتّهجير وأضاع والدي شقاء عمره واضطّررنا إلى ترك بيروت لكن حلمه كان دائماً العودة إلى موطنه لبنان. فعمل جاهداً لكي يؤمّن العيش الهنيء لأسرته وبالفعل عدنا واستقرينا في بلدة جميلة في البقاع تكاد أن تكون جنّة على الأرض.

هي عنجر، بلدة أرمنيّة وهي استمرار لمنطقة جبل موسى في لواء الإسكندرون، حيث قرّر أهلها المقاومة وقاوموا الجيش العثماني أربعين يوماً إلى أن نقلتهم سفينة فرنسيّة إلى برّ الأمان عام 1915.

كنت أسمع وأطّلع ولكن لم أكن أفهم آنذاك معنى أن الوطن غالٍ. ولكن الذي تربّى على حبّ الوطن لا يستطيع مفارقة حتّى تراب الوطن.

بعد الطّفولة أصبحت أفهم وأعي ما معنى الولاء والإنتماء. الإنتماء إلى جذوري الأرمنيّة والإنتماء إلى أرض لبنان الطيّبة التي حضنت جدودي وأعطتهم الكثير. عندي هويّتان متلازمتان “لبنانيّة أرمنيّة” هي كلمة واحدة وليست كلمتين. أحمل وطنين، أحمل إرثين وأحافظ عليهما بكل جوارحي.

واليوم أحد أوطاني موجوع. أرمينيا موجوعة.

أرمينيا في حرب في أرتساخ. هو صراع على البقاء. تركيا تعود مجدّداً وترتكب المآسي وأبشع أنواع العنف على مرأى ومسمع العالم أجمع.

نحن دائماً دافعنا عن المظلوم لأنّ أهلنا عانوا من الظّلم. كنّا دوماً السّباقين والواعين لما يحصل من حولنا. وأصحاب مواقف جريئة ومدافعين عن الحقّ.

أما اليوم فأستصرخ ضمائر الشّعوب مع الأخوين رحباني بصوت السّيّدة فيروز: ” يا صوتي ضلّك طاير

زوبع بها الضماير

خبّرهن عاللي صاير

بلكي بيوعى الضّمير”.

 

Share This