رحل غارو كبابجيان المسكون بـ”القضية” كتب جورج العاقوري

 

من كان لديه إيمان بقضية أسقط أمامها كل المصالح الشخصية وأسقط من قاموسه التعب والاحباط والملل والكلل، فحوّل أي هزيمة الى محفّز للنضال وكرّس سنوات عمره لتتقدم هذه القضية ولو قيد أنملة.

هذه هي حال البطل العالمي “الغراند ماستر” في “الوشو كونغ فو” غارو كبابجيان المسكون بقضية أرتساخ (أو ما يعرف بإقليم ناغورنو كاراباخ) وهويتها الارمنية، والذي سقط بالضربة القاضية أمام جائحة كورونا.

غارو المتحدّر من سلالة أرمنية عريقة لعبت أدواراً عدة في تاريخ أرمينيا، عشق لبنان بمقدار عشقه لأرض الجدود. فهو عَلَمٌ في رياضة “الوشو كونغ فو” حيث حصد البطولات العالمية وشارك في نشر هذه اللعبة في لبنان، وهو مؤسس نادي ABBA في برج حمود منذ أكثر من أربعين عاماً وأحد أعمدة إتحادها. كذلك، درّب غارو مئات ضباط الجيش اللبناني تاركاً بصماته فيهم.

كان غارو الممثل الدائم لـ”أرتساخ” لدى لبنان والشرق الأوسط مع العلم أنه لا يوجد أي اعترافٍ دولي باعلانها الاستقلال عقب انهيار الاتحاد السوفياتي في كانون الاول 1991. أرتساخ جنة الله على الارض بنظره، وهو كان يصرّ على مناداتها بالجمهورية لا بالإقليم.

كان لي شرف التعاطي معه عن قرب خلال رحلة ضمن وفد إعلامي لبناني بدعوة من حزب “الرمغافار” في الخريف الماضي لتغطية الحرب مع الاذريين. في مطار بيروت ارسل معنا مساعدات طبية وفي ياريفان كان اللقاء في مقر ارتساخ. عيونه تنبض نضالاً في سبيل قضيته، لا يتعب من تقديم الحجج والبراهين الداعمة لها. يتباهى بحبّه للبنان الذي شكّل وطناً له ولمن تبقى من عائلته جراء الابادة عام 1915. يقول لنا: “إنَّ اتكالنا عليكم كصحافيين ان تنقلوا حقيقة معاناة شعبنا لأهلنا في لبنان. فلا يمكن لهم هم الذين عانوا من الظلم والاحتلال إلا ان يتفهّموا قضية ارتساخ ويناصروها”.

رغم ان برنامجنا كان مكثّفاً ولا وقت لدينا، إلا انه أبى إلا ان يقيم مائدة على شرفنا في دارته مع زوجته واولاده حيث لبنان حاضر بعَلَمه وارزته ومطبخه وموسيقاه والـ”اهلا وسهلا” وكرم الضيافة. فدارته ممر إلزامي لكل لبناني يزور أرمينيا ويعتبرها بيتاً لكل اللبنانيين.

أصرّ غارو على ملاقاتنا بأكاليل الغار الى تلّة يرابلور Yerablur في ضواحي العاصمة التي تحتضن منذ العام 1988 من يستشهدون في سبيل كاراباخ إلى جانب بعض القادة الرموز والأبطال المشهورين لدى الشعب الارمني، حيث عبق البخور والورود والدموع في حقل من الأضرحة لا بدّ أن يزهر يوماً. هناك صمت غارو لأن حضرة المكان الضارب في الوجدان خير شاهد على قدسية قضيته. اليوم، وتكريماً لمسيرته النضالية، سوف يرقد غارو هناك الى جانب رفاقه وهو الذي كان له الى جانب الدور السياسي دور عسكري خلال حرب التسعينات.

حين سقطت شوشي البلدة الاستراتيجية في “ارتساخ”، اتصل به الصديق سيفاك ليطمئن عن الفندق الذي بناه غارو وشركاؤه هناك في استثمار “جنوني” لا إقتصادي وما مدى امكانية استرجاعه، فكان جوابه: “إطمئن لا اهتم بذلك المهم اننا سنسترجع شوشي وكل أرتساخ وانني واثق بذلك مهما طال الزمان. خسرنا جولة ولم نخسر الحرب لأننا أصحاب الارض”.

وداعاً يا صديقي المدمن على النضال، نم شامخاً كأرز لبنان تحت عيون جبل أرارات.

 

Share This