“أبجدية ماشتوتس”.. لغة أرمينية حفظت الهوية واخترقت حصون المستعمر

كتب د. مصطفى أحمد فهمى

https://gate.ahram.org.eg/News/4738200.aspx

كان الاضطراب الشديد اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا، دينيا سمة أرمينيا فى القرن الرابع الميلادى، فقد عاشت هذه الجزيرة الجبلية نظرا لموقعها الجغرافى والجيوستراتيجى غزوات وحروبا كثيرة، واحتلال وإقامة مستعمرات قسمت الدولة لقسمين.. الأول فارسى مجوسى (عبدة النار) والثانى مسيحى بيزنطى يختلف فى تعاليمه عن تعاليم المسيحية الأرثوذكسية الديانة الرسمية لأرمينيا.

موضوعات مقترحة

من هذا الوضع السياسى الذى ألقى بظلاله القوية لاستقطاب المستعمر سكان كل جزء لديانته، جاءت محاولات رهبان الكنيسة والحكام للحفاظ على الهوية القومية للأرمن من الاندثار، فكانت اللغة هدفهم الأول باعتبارها درع الدفاع الأول عن هويتهم، واستمرت هذه المحاولات حتى جاء الراهب ميسروب ماشتوتس وابتكر الأبجدية الجديدة للغة الأرمينية كلغة منطوقة ومكتوبة أقرها المجمع الكنسى والجاثلسق عام 405 ميلادى، ليكون القرن الخامس مولد اللغة الجيدة وبداية الحفاظ على الهوية، لأنها أصبحت وسيلة الاتصال بين الأرمن فى كل من المستعمرة الفارسية والبيزنطية.

من هذه الأحداث يبدأ المخرج والكاتب الصحفى محمد مندور فى أخذنا معه بفيلمه الوثائقى “أبجدية ماشتوتس” المصور بين أرمينيا ومصر، وعرض فى مدرسة كالوسديان نوباريان الأرمينية بمصر الجديدة بالقاهرة، بحضور السيد هراتشيا بولاديان سفير جمهورية أرمينيا لدى جمهورية مصر العربية والمطران أشود مناتساكانيان، مطران الأرمن الأرثوذكس بمصر وعدد من أبناء الجالية الأرمينية، إلى عالم أبجدية أشتوتس الكلاسيكية الفصحى وتسمى “كرابار” المعتمدة على قواعد اللغة اللاتينية التى استخدمت حتى القرن الـ19، لظهور لغة شعبية جديدة سميت باللغة الأرمينية الحديثة تنقسم إلى لهجتين متقاربتين الأولى.. تستخدم فى أرمينيا والدول المجاورة وتسمى اللهجة الشرقية، والثانية تسمى الغربية ويستخدمها أرمن المهجر وتتسم هذه اللهجة بالحفاظ على القواعد الكلاسيكية فى الإملاء.

ما يلفت النظر فى عرض الفيلم لقصة اللغة والهوية، هو الانتماء الشديد للشعب الأرمينى لهويته وثقافته وجذوره، والغيرة الشديدة على دينه، فمن ضمن دوافع البحث عن لغة أرمينية مكتوبة أن الكتاب المقدس والكتب الكناسية كانت تكتب باليونانية والسريانية.

الفكرة الثانية التى لفتت النظر الرغبة فى الحفاظ على النسيج الاجتماعى رغم قوة المستعمر وفرض سيطرته السياسية والعسكرية ومحاولاته فرض ثقافته وعقيدته التى فشلت أمام قوة وإيمان الأرمن بهويتهم وعقيدتهم.. لتظهر لنا من خلال أحداث الفيلم طبيعة الشعب الأرمنى المتسمة بنعومة المقاومة الشرسة، فاختيار ابتكار لغة جديدة يوضح نعومة المقاومة والإصرار عليها واختراق المستعمرتين يوضح شراسة المقاومة فى اختراق حصون المحتل ليكون اللسان بلغته الجديدة هو الآلة التى هزمت العدو وحافظت على الهوية.

بعد آخر كشفه الفيلم يوضح أيديولوجية الانتماء والهوية لدى أرمن المهجر ظهر فى الشعار المكتوب داخل المدرسة “مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه” بتمسكهم بلغتهم وانتمائهم الكامل لبلد المهجر التى ولدوا وعاشوا بها مثل وطنهم الأم.

لنكون فى النهاية أمام شعب يحمل معانى الود والحب والإخلاص والوفاء والسلام لوطنه الأم ولبلاد المهجر وكأنهم أبناء هذا البلد كما جاء بالفيلم.

 

Share This